للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشرق والمغرب ونرجو من الله المزيد وفي الإِسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون عليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها إثنتي عشرة رقعة فلو غيَّرتها بثوب لين يُهاب فيه منظرك، ويُغدى عليك بجفنة من الطعام ويُراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار.

فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديداً، ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز برَ عشر أيام أو خمسة أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالت: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرِّب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فتُرفع؟ قالتا: اللهمَّ نعم. فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعليَّ خاصة؛ ولكن أتيتما ترغِّباني في الدنيا وإِنِّي لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا اللهمَّ نعم، فقال: هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة وكان مِسْحاً في بيتك يا عائشة، تكون بالنهار بساطاً وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير على جنبه؟ ألا يا حفصة أنت حدثتيني أنك ثنيت له ذا ليلة فوجد لينها فرقد فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: «يا حفصة ماذا صنعت؟ أَثَنيت المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح؟ ما لي وللدنيا وما لي شغلتموني بلين الفراش» يا حفصة أما تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إِلى أن قبضه الله برحمته ورضوانه لا أكل عمر طيباً، ولبس ليِّناً، فله أُسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أُدْمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل

<<  <  ج: ص:  >  >>