إبتلاء المسلمين وخروج أبي بكر إلى الحبشة مهاجراً وقصته مع ابن الدغنة
وأخرج البخاري (ص ٥٥٢) عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طَرَفي النهار: بُكرة، وعَشيَّة.
فلما ابتُليَ المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغماد لقيه ابن الدُّغُنَّةِ وهو سيد القارة. قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجَني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدُّغُنَّةِ: فإنَّ مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق؛ فأنا لك جار، إرجع واعبد ربك ببلدك.
فرجع وارتحل معه ابن الدُّغُنَّة، فطاف ابن الدُّغُنَّة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرَّحِم، ويحمل لكلَّ، ويقري الضَّيف، ويعين على نوائب الحق. فلم تكذِّب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدُّغُنَّة: مُرْ أبا بكر فليعبدْ ربَّه في داره، فليصلِّ فيه وليقرأ ما شاء. ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنَّا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا؛ فقال ذلك ابن الدُّغُنَّة لأبي بكر. فابتنى مسجداً بِفناء داره، وكان يصلِّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذَّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان