وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء، فإذا بلغهم أنَّ المسلمين أصابهم جَهْد وبلاء تباشروا به وفرحوا وقالوا: قد كنَّا نعلم ذلك ونحذر منه، وإذا أُخبروا بسلامة منهم وخير حزنوا. وعرف ذلك منهم فيهم كل عدو لهم بالمدينة، فلم يبقَ أحد من المنافقين أعرابي ولا غيره إلا استخفى بعمل خبيث ومنزلة خبيثة، واستعلن، ولم يبق ذو علَّة إلا وهو ينظر الفَرَج فيما ينزل الله في كتابه، ولم تزل سورة «براءة» تنزل حتى ظنَّ الناس بالمؤمنين الظنون، وأشفقوا أن لا ينفلت منهم كبير ولا صغير أذنب في شأن التوبة قط ذنباً إلا أُنزل فيه أمر بلاء حتى انقضت. وقد وقع بكل عامل تبيان منزلته من الهدى والضلالة. انتهى. وذكره في كنز العمال عن ابن عساكر وابن عابد - بطوله.
إستئذان الجدّ بن قيس عن الغزو وما قاله عليه السلام له وما نزل فيه من القرآن
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره؛ غير أنه في غزوة تبوك قال:«يا أيها الناس، إنِّي أريد الروم، فأعلمهم، وذلك في زمان من البأس، وشدة الحرّ، وجدب من البلاد، وحين كانت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جَهازه ذلك قال للجَدّ بن قيس: «يا جدّ، هل لك في جِلاد بني الأصفر؟» فقال: يا رسول الله، إئذن لي ولا تفتنِّي، لقد علم