وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر، فكانت آخرَ خطبة خطب بها، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أيها الناس، إحذروا الدنيا ولا تثقوا بها (فإنها) غرَّارة، وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها، فبحب كل واحدة منهما تبغض الأخرى؛ وإِن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إِلا بما صلح به أوله، فلا سيحمله إِلا أفضلكم مقدرة، وأملككم لنفسه، أشدكم في حال الشدة، وأسلسكم في حال اللين، وأعلمكم برأي ذوي الرأي، لا يتشاغل بما لا يعنيه، ولا يحزن بما لا ينزل به، ولا يستحيي من التعلم، لا يتحير عند البديهة، قوي على الأموال، ولا يخون بشيء منها حدّة بعدوان ولا يقصِّر، يرصد لما هو آتٍ، عتاده من الحذر والطاعة - وهو عمر بن الخطاب.
ثم نزل كذا في كنز العمال.
[صفات الخليفة كما يراها عمر رضي الله عنه]
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خدمت عمر رضي الله عنه خدمة لم يخدمها أحد من أهل بيته، ولطفت به لطفاً لم يلطفه أحد من أهله؛ فخلَت به ذات يوم في بيته - وكان يجلسني ويكرمني - فشهق شهقة ظننت أنَّ نفسه سوف تخرج منها، فقلت: أمن جزع يا أمير المؤمنين؟ قال: من جزع. قلت: وماذا؟ فقال: إقتربْ، فاقتربت. فقال: لا أجد لهذا الأمر أحداً فقلت: وأين أنت عن فلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان - فسمَّى له الستة أهل الشورى - فأجابه في كل واحد منهم بقولٍ، ثم قال: إنه لا يصلح لهذا الأمر لا قويّ في غير عنف، ليِّن في غير ضعف، جواد من غير سرف، ممسك في غير بخل.