وعند أبي عُبيد في الغريب، والخطيب في رواة مالك قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم إذ تنفَّس نفسة ظننت أنَّ إضلاعه قد تفرَّجت. فقلت: يا أمير المؤمنين ما أخرج هذا عنك إلا شرّ. قال: شر، إِني لا أدري إلى من أجعل هذا الأمر بعدي. ثم التفت إليّ فقال: لعلك ترى صاحبك لها أهلاً. قلت: إنه لأهل ذلك في سابقته فضله. قال: إنه لكما قلت، ولكنه امرؤ فيه دُعابة - فذكره إلى أن قال: إنَّ هذا الأمر لا يصلحه إلا الشديد في غير عنف، الليِّن في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل. فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ما اجتمعت هذه الخصال إلا في عمر رضي الله عنه.
وعند ابن عساكر قال: خدمت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكنت له هائباً ومعظِّماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفَّس نفساً ظننت أنّ نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السماء فتنفَّس الصُعَداء. قال: فتحاملت وتشدّدت وقلت: والله لأسألنَّه فقلت: والله ما أخرج هذا منك إلا همٌّ يا أمير المؤمنين. قال: هم رضي الله عنه - والله - هم شديد هذا الأمر لم أجد له موضعاً - يعني الخلافة -. ثم قال: لعلَّك تقول: إن صاحبك لها - يعني علياً رضي الله عنه - قال قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلَها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، لكن رجل فيه دعابة - فذكره إلى أن قال: إن هذا الأمر لا يحمله إلا الليِّن في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سَرَف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر رضي الله عنه: لا يطيق هذا الأمر إلا رجل لا يصانع ولا يضارع، ولا يتَّبع المطامع؛ لا يطيق أمر الله إلا رجل لا يتكلم بلسانه كلمة لا ينتقض عزمه، ويحكم بالحق على حزبه - وفي الأصل - على وجوبه. كذا في