وأخرج ابن أبي شَيْبة عن إياس بن سَلَمة عن أبيه قال: بَعَثتْ قريش خارجة بن كُرْز يطَّلع لهم طليعة، فرجع حامداً يحسن الثناء، فقالوا: إنك أعرابي، فعققوا لك السلاح فطار فؤادك، فما دَرَيت ما قيل لك وما قلت. ثم أرسلوا عروة بن مسعود - رضي الله عنه - فجاء فقال: يا محمد ما هذا الحديث؟ تدعو إلى ذات الله، ثم جئت قومك بأوباش الناس من تَعْرف ومن لا تَعْرف لتقطع أرحامهم، وتستحلَّ حرمهم ودماءهم وأموالهم؟ فقال:«إني لم آتِ قومي إلا لأصِل أرحامهم، يبدلهم الله بدين خير من دينهم، ومعاش خير من معاشهم» . فرجع حامداً يحسن الثناء.
قال سَلَمة: فاشتد البلاء على من كان في يد المشركين من المسلمين، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال:«يا عمر هل أنت مُبَلِّغ عني إخوانكم من أسارى المسلمين؟» قال: لا، يا رسول الله، والله مالي بمكة من عشيرة، غيري أكثر عشيرة مني. فدعا عثمان رضي الله عنه فأرسله إليهم، فخرج عثمان على راحلته حتى جاء عسكر المشركين، فعبثوا به وأساؤوا له القول، ثم أجاره أبان بن سعيد بن العاص ابن عمه وحمله على السرج ورَدِفه. فلما قدم قال: يا ابن عم مالي أراك متخشِّعاً؟ أسبلْ - وكان إزاره إلى نصف ساقيه -، فقال له عثمان: هكذا إزْرة صاحبنا. فلم يدع بمكة أحداً من أسارى المسلمين إلا بلَّغهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سَلَمة: فبينا نحن قائِلون نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس، البيعةَ البيعةَ، نزل روح القدس، فسرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سَمُرة، فبايعناه. وذلك قول الله:{لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}(سورة الفتح، الآية: ١٨) قال: فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس: