للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سَخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها - قال: ولم يُمكنِّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة - قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سِجَال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصِّلَة.

فقال الترجمان: قل له سألتك عن نسبه فزعمتَ أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل فتبعث في نسب قومها. وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلتُ رجل يتأسَّى بقول قيل قبله وسألتم: هل كان من آبائه من مَلِك، فذكرت أن لا، فلو كان من آبائه نمَلِك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، قد أعرف أنه لم يكن ليذَر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أنَّ ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنَّهم يزيدون، وكذلك أمر الإِيمان حتى يتمّ. وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإِيمان حين تخالط بشاشتُه القلوبَ. وسألتك: هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك: بمَ يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به مع دِحْية رضي الله عنه إلى عظيم بصرى. فدفعه إلى هرقل فإذا فيه.

«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتّبَع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإِسلام، أسلم تسلم يؤتكَ الله أجرك مرتين. فإن تولَّيت فإنّ عليك إِثم الأريسيِّين. و {قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: ٦٤) » .

قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصَّخَب، وارتفعت الأصوات وأُخرجنا فقلت لأصحابي - حين خرجنا -: لقد أمِرَ أمر ابن أبي كبشة، إنه يخاف مَلِكُ بني الأصفر. فما زلت موقناً أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>