فاجلس، فتنحَّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقفُّ إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حِمْير، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال مثل قول شرحبيل، فقال الأسقفُّ: تنحَّ فاجلس، فتنحَّى عبد الله فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبَّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله، فأمره الأسقفُّ فتنحَّى فجلس ناحية.
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضُرب به ورُفعت النيران والمسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإِذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس، ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورُفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل. فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه. فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمْداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجَبَّار بن فيض الحارثي فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حُلُلاً لهم يجرونها من حِبَرة وخواتيم الذهب. ثم انطلقوا حتى أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه فلم يردَّ عليهم، وتصدَّوا لكلامه نهاراً طويلاً فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم - فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان، ويا عبد الرحمن، إن نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له،