سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه؛ فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضيَ إلى موعود الله، قالوا: وما موعودُ الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: لقد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحبُّ إليكم؟ يوماً أو يومين، قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: ما سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخِّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل. فقال:
أسيِّدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يُجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعزَّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إِلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلَكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفُّون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب.
دعوة حذيفة بن محصن والمغيرة بن شعبة لرستم في اليوم الثاني والثالث
ثم بعثوا في اليوم الثاني رجلاً، فبعث إليهم حذيفة بن محصَنَ فتكلم نحو ما قال رِبعي، وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فتكلم بكلام حسن طويل، قال فيه رُستم للمغيرة: إنَّما مثلكم في دخولكم أرضنا كمثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إِليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول من يخلِّصني وله أربعة دراهم؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جُحْراً في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمِن أفسد شيئاً كثيراً، فجاء بخشبة واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليخرج فلم يستطع لِسَمْنه فضربه حتى