جاء بسيفه فعلَّقه عليه ثم قال: إنِّي والله ما أعلم من يفعل بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عدَوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه معه بحبل، ثم ألقَوه في بئر من أبيار بني سَلِمة فيها عَذِرَة من عِذَر الناس. وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده مكانه الذي كان فيه، فخرج في طلبه حتى وجده في تلك البئر منكَّساً مقروناً بكلب ميت.
فلما رآه وأبصر شأنه وكلَّمه مَنْ أسلم من قومه، أسلم - يرحمه الله - وحسن إسلامه.
وزاد منجاب عن زياد في حديثه عن ابن إسحاق قال: وحدثني إِسحاق بن يَسَار عن رجل من بني سَلِمة قال: لما أسلم فتيان بني سَلِمة أسلمت إمرأة عمرو بن الجموح وولده، قال لامرأته: لا تدَعي أحداً من عيالك في أهلك حتى ننظر ما يصنع هؤلاء، قالت: أفعل، ولكن هل لك أن تسمع من إبنك فلان ما روى عنه؟ قال: فلعله صبأ. قالت: لا، ولكن كان مع القوم فأرسل إليه فقال: أخبرني ما سمعت من كلام هذا الرجل فقرأ عليه: «الحمد لله رب العالمين - إلى قوله تعالى - الصراط المستقيم» . فقال: ما أحسن هذا وأجمله، كل كلامه مثل هذا؟ فقال: يا أبتاه، وأحسن من هذا. قال: فهل لك أن تبايعه؟ قد صنع ذلك عامة قومك قال: لست فعلاً حتى أوامر مَنَاة، فأنظر ما يقول. قال: وكانوا إِذا أرادوا كلام مَنَاة جاءت عجوز فقامت خلفه فأجابت عنه. قال: فأتاه وغُيِّبت العجوز وأقام عنده فتشكَّر له. وقال: يا مناة، تشعر أنه قد سئل بك وأنت غافل جاء رجل ينهانا عن عبادتك ويأمرنا بتعطيلك، فكرهت أن أبايعه حتى أوامرك. وخاطبه طويلاً فلم يردّ عليه. فقال: أظنك قد غضبت ولم أصنع بعد شيئاً، فقام إليه فكسره.
وزاد إبراهيم بن سلمة في حديثه عن ابن إسحاق: قال عمرو بن الجموح حين أسلم وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه وما أبصر من أمره، ويتشكَّر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة: