الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم إئتني. فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذرَ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني ممَّا أردت.
قدوم أبي ذر إلى مكة وقصّة إسلامه وما لقي من الأذى في الله
فتزود وحمل شَنّة فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل إضطجع، فرآه علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أنه غريب. فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث، فعاد علي مثل ذلك فأقم معه.
ثم قال ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنَّني فعلت، ففعل، فأخبره. قال: فإنَّه حقٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتَّبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيتُ فاتَّبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري» . قال: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكبَّ عليه، فقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غِفار وأن طريق تُجَّاركم إِلى الشام؟ فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد بمثله فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه.