قال: فأبى عليَّ إلا أن يخرج معهما. فلما أبَى إلا ذلك قلت: أمَا إذا قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذَلول، فالزم ظهره، فإن رابك من أمر القوم رَيب فانجُ عليها.
فخرج عليها معهما حتى إذا كان ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا أخي - والله - لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تُعقِبُني على ناقتك هذه؟ قال: بلى. فأناخ وأناخا ليتحوَّل عليها، فلما استَوَوْا بالأرض عَدَوَ عليه فأوثقاه رباطاً، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن. قال عمر رضي الله عنه: فكنا نقول: لا يقبل الله ممن افتَتَن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنزل الله:{أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}(الزمر: ٥٢ - ٥٥) . قال عمر: فكتبتها وبعثت بها إِلى هشام بن العاص. قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوى أصعِّد به وأُصوِّب ولا أفهمها، حتى قلت: اللَّهمَّ فهِّمْنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أُنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا: قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن السَكَن بسند صحيح عن ابن إسحاق بإسناده مطوَّلاً كما أشار إليه الحافظ في الإِصابة، والبزار بطوله نحوه؛ قال الهيثمي ورجاله ثقات. وأخرجه البيهقي، وابن سعد، وابن مردويهْ،