المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف إلى المدينة، ودخل بُرَيدة بن الحُصَيب رضي الله عنه بلواء أُسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده. فلمَّا بُويع لأبي بكر أمر بُرَيدة أن يذهب باللواء إلى بيت أُسامة ولا يَحُلّه أبداً حتى يغزو بهم أُسامة. قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أُسامة، ثم خرحت به إلى الشام معقوداً مع أُسامة، ثم رجعت به إلى بيت أُسامة، فما زال معقوداً في بيته حتى توفي.
إصرار أبي بكر رضي الله عنه على بَعْث أسامة إمتثالاً لأمره عليه السلام
فلما بلغ العربَ وفاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإِسلام؛ قال أبو بكر لأسامة: (انفُذ في وجهك الذي وجَّهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بُرَيدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول. فشقَّ ذلك على كبار المهاجرين الأوَّلين، ودخل على أبي بكر، عمر، وعثمان، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد رضي الله عنهم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، إنّ العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنَّك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، إجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم، وأُخرى: لا نأمن على أهل المدينة أن يُغار عليها وفيها الذراري والنساء، ولو تأخرت لغزو الروم حتى يضرب الإِسلام بجِرَانه، ويعود أهل الرّدة إلى ما خرجوا منه أو يُفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا.
فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا، قد سمعتَ مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننتُ أنَّ السِباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البَعْث، ولا بد أن يؤوب منه، كيف ورسول الله