بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإنِّي قائل مقالة وقد قُدِّر لي أن أقولها لا أدري لعلَّها بين يدي أجلي، فمن وعاها وعَقلَها فليحدِّث به حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أُحلُّ له أن يكذب عليَّ:
إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرَّجْم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة قد أنزلها الله عزّ وجلّ؛ فالرجم في كتاب الله حقٌّ على من زنى إذا أحْصَن من الرجال والنساء إذ قامت البينة، أو كان الحَبَل، أو الإعتراف. ألا وإنَّا قد كنا نقرأ:«لا ترغبوا عن آبائكم فإنَّ كُفْراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم» ألا وإِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أُطْرِيَ عيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام - فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله» .
وقد بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترَّن أمرؤ أن يقول: إنَّ بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت فلتة فتمَّت. ألا وإنها كانت كذلك؛ إلا أن الله وَقَى شرها، وليس فيكم اليوم من تَقَطَّعُ إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علياً، والزبير ومن كان معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلَّف عنها الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر، إنطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقيَنا رجلان صالحان فذَكَرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضُوا أمركم يا معشر المهاجرين. فقلت: والله لنأتينّهم. فانطلقنا حتى جئناهم