وهؤلاء المذكورون غير الإمام البخاري ممن يعلم أهل العلم أنهم متأثرون بالعقيدة الأشعرية، وأنهم في كتبهم المذكورة يقررون معظم مسائل العقيدة وخصوصاً الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة. واعتماد الحافظ على هؤلاء وغيرهم من العلماء ليس اعتماد تقليد، وإنما أخذ ببعض أقوالهم عن اجتهاد واقتناع بأنه هو الحق والصواب الموافق للأدلة حسب ما ظهر له، بدليل أنه في بعض المواضع يقف منهم موقف الناقد الرّاد بما ظهر له من الأدلة.
١٠ - أن الحافظ لم يسر في تقريره لمسائل العقيدة في كتابه (فتح الباري) على منهجٍ واحدٍ، وإنما كان منهجه متأرجحاً بين السلفية والأشعرية، بحيث تجده في بعض المسائل مع المنهج السلفي مقرراً ومؤيداً، وفي بعضها مع المنهج الأشعري مقرراً ومؤيداً، وهذا من حيث العموم، وأما من حيث التفصيل فكما يلي:
أولاً: في منهج الاستدلال:
أ/ وافق السلف على الاحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة، ويرى أن خبر الواحد يفيد العلم إن احتفت به القرائن.
ب/ وافق السلف على تقديم النقل على العقل، لا بمعنى أنهما يتعارضان، وإنما بمعنى أن العقل تابعٌ للنقل في باب العقيدة، والعقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، بل يوافقه.
ثانياً: في تعريف التوحيد وبيان أقسامه:
أ/ وافق السلف في الجملة على تعريف التوحيد، وتحديد معناه شرعاً.
ب/ ووافقهم ضمنياً على انقسامه إلى ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات.
ثالثاً: في توحيد الربوبية:
أ/ قرر انفراد الله تعالى بالربوبية، وعدم جواز إطلاق لفظ (رب) بإطلاق من دون قيد إلاّ على الله تعالى.
ب/ وافق السّلف على أن معرفة الله في الأصل فطرية في البشر.
جـ/ وافق السلف في صحة إيمان المقلد إذا سلم من الشبهات والتزلزل.
د/ رد على المتكلمين في قولهم بأن معرفة الله تعالى نظرية، وفي إيجابهم النظر على العبيد، وزعمهم أن إيمان المقلد لا يصح.
هـ/ قرر الحافظ أن معرفة الله تعالى لا تنحصر في طريقة بعينها بحيث لا يعرف الله تعالى إلا منها، وإنما الأدلة الدالة على وجود الله تعالى كثيرة ومتنوعة.
و/ وافق أكثر أهل الكلام على جواز تسلسل الحوادث في المستقبل، وامتناع تسلسلها في الماضي.
والحق الذي دلت عليه الأدلة جواز تسلسلها في الماضي وفي المستقبل.
رابعاً: في القضاء والقدر:
أ/ وافق أهل السنة في تعريف القدر، وفي مراتبه الأربع.
ب/ وافق أهل السنة في خلق أفعال العباد.
جـ/ وافق الأشاعرة في القول بالكسب الأشعري.
خامساً: في بعض الأحكام المتعلقة بأفعال الله تعالى:
أ/ وافق أهل السنة والجماعة في إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى.
ب/ وافق الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين.
جـ/ وافق أهل السنة في عدم وجوب شيءٍ على الله تعالى، إلاّ ما أوجبه الله على نفسه.
د/ يظهر من كلامه على مسأله تكليف ما لا يطاق أنه لا يقول به.
سادساً: في أسماء الله تعالى:
أ/ وافق أهل السنة والجماعة في أن أسماء الله تعالى لا تنحصر في عددٍ معين.
ب/ وافق أهل السنة والجماعة في مبدأ التوقيف في أسماء الله تعالى؛ لكنه خالفهم حيث أجاز أن يشتق لله اسم من الفعل الثابت له في القرآن، إذا كان لا يوهم نقصاً.
سابعاً: في صفات الله تعالى:
أ/ وافق السلف في إثبات أن لله صفات كما دل عليه الكتاب والسنة، ورد على ابن حزم إنكاره إطلاق لفظ (صفة) على الله تعالى.
ب/ وافق السلف في أن صفات الله تعالى توقيفية، فلا يُوصف الله تعالى إلا بما ثبت نصاً وصفه به في الكتاب أو في السنة.