- يجب القصد والاعتدال في الخلطة والعزلة -من غير إفراط ولا تفريط- فالإغراق في كل شيءٍ مذموم، كما أن لكل من العزلة والخلطة فوائد وغوائل: فتارة تُختار العزلة، وتارة الخلطة. كلٌ بحسب ما يقتضيه الحال والمآل، فقد تُثمر العزلة في بعض الأحوال والأوضاع ما لا تُثمر الخلطة، والعكس بالعكس. وهذا لا يعارض ترجيح الخلطة على العزلة. فإن ذاك الترجيح في الأحوال العامة؛ لأنه يُرجَّح أمر العزلة في أحوال مخصوصة.
- ثم إن الأصل في الإسلام الخلطة لا العزلة، بل العزلة الكلية المطلقة الأصل فيها المنع؛ لما يترتب على ذلك من تضييع الحقوق، وتفويت وتعطيل كثيرٍ من الواجبات.
ويستثنى من ذلك المنع حالات أخرى عامة، تشرع فيها العزلة بسبب تغيّر عام يقع في المجتمع، ومن هذه الحالات ما يلي:
الحالة الأولى: عند فساد الزمان.
الحالة الثانية: عند حلول الفتن.
- وأما العزلة والخلطة إبَّان فتنة القتال: فالذي يظهر -بعد النظر والتأمل- ويترجح التفصيل. فمتى خفي الحق، وتعسَّرت معرفة الصواب في ذلك، فإنه يترجح آنذاك جانب القول باعتزالها. ومتى عرف الحق، وتبين الصواب مع من فيها، فإنه حينئذٍ الخوض والمشاركة فيها، لنصر الحق وقتال الباغي.
- كما ظهر وتبين أن للشام فضل ومزية في كل حين، وعلى مر الأيام والسنين، بل ورد ما يحض ويرغب فيها أكثر وأكثر إبَّان الفتن، وأنها معقل ومأوى المسلمين آنذاك.
- وأخيراً .. تأتي قضية التعرب وسكنى البدو في الفتنة، ويستنتج منها: أن الشارع أذن في التعرَّب وسكنى البادية، وقيَّد ذلك بزمن الفتنة. وأما في الأحوال العادية التي ليس فيها فتنة عامة، فالأصل فيها سكنى المدن.
ثانياً: التوصيات والمقترحات:
١ - إن كان هناك من توصيات فإن أول ما أُوصي به نفسي، وإخواني المسلمين -لاسيما الدعاة والباحثين- تقوى الله -عز وجل- فهي وصية الله لجميع خلقه الأولين والآخرين، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: ١٣١) فموضوع التقوى بالغ الأهمية، وهو ذروة السنام، مثابته مثابة الرأس من الجسد، وتتأكد وتزداد أهميته عند حلول الفتن ومباغتة البلايا والمحن.
٢ - كما أوصي -بما أوصى به الله ورسوله- بالالتزام والاعتصام بجماعة المسلمين، وعدم الخروج عليهم، ومن منهجهم -منهج أهل السنة والجماعة- الذي رسموه لنا، ونبذ الفرقة والاختلاف؛ لأن ذلك شر وأيَّما شر. فالجماعة رحمة والفرقة عذاب، وتزداد أهمية ذلك كله وقت الفتن فإنه أشد وأوجب، وآكد وأرغب.
٣ - وأوصي أيضاً -بعد تقوى الله عز وجل والاعتصام به والتوكل عليه واللجوء إليه- بالالتفات حول العلماء الربانيين، والأئمة المهديين، الأتقياء الصالحين، علماء أهل السنة والجماعة في كل عصر، فإن الالتفات حولهم يعد سبيلاً مهمَّاً من سبل الوقاية والنجاة من الفتن على مختلف أنواعها وأشكالها، كما يعين ذلك على الأمن من الزيغ والضلال. فكم أنجى الله بالعلماء الأمة الإسلامية من محن عصيبة، وفتن رهيبة، كإعزاز الله لدينه بالصديق -رضي الله عنه- يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة، فكم ثبَّت الله المسلمين في تلك الفتن بعلمائهم. فلابد إذاً من لزومهم، والعيش في أكنافهم، والالتفات حولهم لاسيما وقت الفتن.