٧ - وأثبت الماتريدي رؤية الله. واكتفى بالمنهج السلفي، ولم يدخل في تفاصيلها وكيفيتها، لأنها شأن من شئون القيامة، وأما من قاس رؤية الله على رؤية الأجسام، وقال: إن كل موجود يصح أن يرى فهو قياس لم تتوفر أركانه لأنه قياس الغائب على الشاهد وقد تأثر برأيه في هذه المسألة بعض الأشاعرة كالرازي (فخر الدين).
٨ - وانتهى الماتريدي في أمر النبوة إلى أنها ضرورة إنسانية وحاجة بشرية. والأنبياء في الأمم بمنزلة العقول في الأشخاص، والقلوب والأجسام. وأما ما يدل على صدقهم عنده فظهور أحوالهم طبق صفات تدفع عنهم توهم الشكوك والظنون فإذا اجتمع مع ذلك وحي يتنزل، ومعجزات تتحدى بآيات باهرة، وضروب من الإعجاز قاهرة، لم يبق بعد ذلك لكافر من حجة أو سبيل إلا حجة الجهل وسبيل الهوى.
٩ - وفي أفعال العباد يثبت الماتريدي "الاختيار" للإنسان وتأثير القدرة الإنسانية في الفعل، وصلاحها للضدين، وهو لا يرتضي المعتزلة الذين وسعوا في مجال الحرية الإنسانية، وينكر على الجبرية اتجاههم في نفي القدرة عن العبد كما أن موقفه يغاير " كسب" الأشعري. وليست هذه القضايا المتنوعة التي أثارها منبتة عن الواقع الاجتماعي، والصراع السياسي مجردة عنه، بل كانت متصلة به اتصالا وثيقا.
وهكذا فإن الماتريدي مؤسس مدرسة قائمة الذات، لها جذورها وأعلامها وخصائصها، وقد امتازت بعمق الفكر، وبقوة الأدلة فأنتجت ثمارا عقليا من أروع نتاج العقل الإسلامي للدفاع عن العقيدة الإسلامية.
وبعد؛ فقد حاولت في هذا البحث أن أكتشف القناع عن آراء علم شامخ من أبرز أعلام أهل السنة، وأظهرت ما فيها من وضوح الحجة، وساطع البرهان، وما اتسمت به من إيناس مشرق، وحلول طريفة، لقضايا عقدية عسيرة المنال. فأرجو أن أكون قد أسهمت بقدر، في توجيه الأنظار إلى أبي منصور الماتريدي وتجلية الغموض الذي يحيط بشخصيته وبآرائه. والله ولي التوفيق.