وإذا استطعنا أن نغرس هذه الفكرة المنهجية لدى الطالب بشكل جيد فإنه يكون قادراً على توظيف التسهيلات التي يقدمها الحاسب الآلي في مجالات البحث العلمي خير توظيف في تحقيق الهدف من التخريج، بدل أن تكون وظيفته مقصورة على إخراج ما قد أدخل في برامج الحاسب الآلي من الأحاديث.
لقد كان من أهم العوامل التي دعتنا بإلحاح إلى تأليف هذا الكتاب، وطرح مادة تخريج الحديث بأسلوبها الجديد موزعة على ثلاث مراحل، رغبتنا في معالجة ما آلت إليه الأبحاث في ميدان التخريج والتحقيق من الفوضى العلمية التي جرت أصحابها إلى اهتمامهم بالأمور الثانوية دون معالجة المسائل الأساسية، وقد سعينا لتحقيق هذه الرغبة من خلال بناء فكرة منهجية سليمة تعين الطالب والباحث على توظيف المعلومات التي يجمعها سواء كان عن طريق التخريج المباشر أم عن طريق برامج الحاسب الآلي في الأحاديث النبوية توظيفاً مناسباً فيما يقتضيه البحث ويتطلبه المقام.
إن تطورات العصر في مجال الأبحاث العلمية يجب أن تواكبها العلوم الشرعية التي تبقى محل بحث وجمع وغربلة ومقارنة واستنتاج، وذلك من خلال تطوير مناهج دراستها بالتركيز على القضايا المنهجية التي تحتاج إلى تأصيل فهمها، والتي تعين الطالب في بناء ثقافته وتكوين شخصيته على أسس علمية قوية، ومنهج مرن يمكنه من إفهام الناس ما قد فهمه واقتنع به على ضوء الأدلة والبراهين، دون إثارة ما من شأنه حجب القارئ عن الاستماع إليه بوعي وصفاء، علماً بأن المرحلة الزمنية التي نمر بها هي مرحلة تنقيب وتنقية لما جمعه سلفنا، وما يجب علينا هو أن نستمد من قواعد النقد عند المحدثين ما نستطيع معه القيام بالتنقية والتنقيب، وبذلك نكون قد أدينا الواجب العلمي وفق مقتضيات المرحلة. وأما أن ننشغل بجمع ما قد تم جمعه فذلك المضحك المبكي، والله المستعان.