للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقرر هذا المسلك حصول مفارقة بين التطبيق والدراسة النظرية في بعض الأحيان، كما يقرر أن بعض عبارات الأئمة غير منطبقة تماما مع تعريف بعض الأنواع والمصطلحات في كتب علم الحديث، ويبرر هذا بأمور:

- أن لكل حديث نظرا خاصا به.

- أن مصطلحات كل إمام من أئمة الجرح والتعديل تحتاج إلى دراسة يتبين منها مراده، وما زال الأمر بحاجة إلى مزيد من الدرس والتدقيق؛ للوصول إلى برد اليقين في ذلك.

- أن عامة كلام الأئمة إنما خرج تعليقا على حال راو، أو على حديث، مما يبعد معه الجزم أن مراد الإمام بتلك العبارة التقعيد العام، بل الظاهر بقرينة الحال وملاحظة مخرج الكلام أن مراده بعبارته كشف الحال المعين الذي يتكلم فيه، إما الراوي أو الحديث، لا غير ذلك.

وهذا والله أعلم أوجد نوعاً من الصعوبة توجب التريث والتأني قبل الجزم بأن هذا هو مراد الإمام بعبارته هذه دون غيره.

يقرر هذا المسلك أن للمحدثين منهجا في دراسة علم الحديث يختلف عن منهج الفقهاء والأصوليين، لكن لا يلزم من ذلك أن كل ما عند الأصوليين والفقهاء يخالف ما عند المحدثين، فقد لوحظ أن جملة كثيرة من أقوال الفقهاء والأصوليين ترجع إلى أقوال لبعض أهل الحديث، وإن كانت مرجوحة عند المحدثين. وأن ليس كل ما هو راجح عند الفقهاء والأصوليين يخالف ما عند المحدثين. بل قد يؤدي اجتهاد فقيه أصولي إلى ترجيح قول في المسألة هو كقول أهل الحديث، والعكس صحيح.

وبناء عليه؛ فإن باب التدقيق والنظر والاجتهاد مشرع، فلا يحصر الصواب مع أحد دون الآخر، والعبرة في النظر إلى الدليل، أو على الأقل ملاحظة منهج الفريقين عند التعامل معه.

ويقرر أن علماء الحديث منهم المتشدد ومنهم المتساهل ومنهم المعتدل، وأن الكلَ من أهل الحديث، والعبرة إنما هي في الدليل، فلا يقال عن المتساهل أنه على منهج الفقهاء والأصوليين، بل العبرة كما سبق هي بالحجة والدليل.

ويقرر أن ما صنعه ابن الصلاح هو محاولة تقريب العلم وتقعيده، وقد نبه رحمه الله في أغلب الأنواع الحديثية التي أوردها على مواضع الاختلاف، بل ونبه إلى التعاريف الأخرى التي تخالف التعريف الذي قدمه أو اعتمده، وأن مرجع ذلك أنه رحمه الله كان يتقصد إيراد التعريف الذي يتناسب مع مقصده من تعريف الصحيح الذي أورده بحسب ما عليه جمهور أهل الحديث.

فهو لم يزعم في موضع من هذه المواضع المشار إليها أن ما ذكره هو المعتمد عند جميع أئمة الحديث.

وقرار أصحاب هذا المسلك أن من أسباب المشكلة طريقة تدريس كتب علم الحديث، فإن من لم يلاحظ هذه المقاصد المشار إليها قبل قليل يقع في تحكم يوقع في هذه المفارقة، وأن الواجب عند تدريس هذا العلم تنبيه الطالب إلى هذه الأمور التي أشار إليها ابن الصلاح ومن بعده.

ومن أسباب المشكلة أيضاً: أن بعض من اختصر كلام ابن الصلاح أو نظمه اقتصر على ذكر التعريف الذي اعتمده ابن الصلاح دون الإشارات التي أشار إليها ابن الصلاح من وجود مخالف، أو أن هذا التعريف لا يمثل كل أهل الحديث، وهذه أمور توقع في الشعور الزائد بهذه المفارقة المشار إليها، والواجب تجنب ذلك، والتنبيه على ما فيها.

ويقرر هؤلاء أنه لا يوجد استقرار نهائي للمصطلح بحيث نقول: إن جميع أهل الحديث على هذا التعريف، أو على هذا المصطلح بحرفيته، لما قدمته لك من أن مصطلحات الأئمة نفسها بحاجة إلى درس لمعرفة حقيقة مرادهم.

ملاحظاتي:

١ - إن منحى (الدفع والمفاصلة) لم يظهر إلا في هذا الوقت، مع قدم المشكلة بحسب توصيفها! مما يدل أنه لا توجد مشكلة أصلا، وإلا لتكلم عنها العلماء وبينوها!

<<  <  ج: ص:  >  >>