للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الأمة الإسلامية تحكم بنظام لا دخل لها في شيء من تشريعاته وليس لها إلا السمع والطاعة لكون نظامها منزلا من عند الله وجعل الحكم له وقرنه بالعبادة حيث قال جل وعلا {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال جل وعلا {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} وقال جل وعلا: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ} وقال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}.

فالذي يحكم بغير ما أنزل الله، إما أن يرى أن غير الإسلام أحسن من الإسلام وهذا كفر بالله تعالى لوصفه قانون الرب بعجزه عن حل مشاكل عبيده.

وإما أنه عاجز عن تطبيق الشريعة وهذه لن تكون خصوصا في حكام دهرنا لكونهم يقتلون كل من خالفهم، فتبين أن إعراضهم ليس لخوفهم من المعارضة، وإنما يخافون لو طبق الإسلام حقا لأخذهم الإسلام بذنوبهم فهم لمعرفتهم بالإسلام لا يستطيعون تطبيقه خوفا على مراكزهم الدنيوية وهذا ذنب عظيم وضعف إيمان حيث يفضلون دنياهم على دينهم وتقويته.

والآن أعرض لك مقارنة بين عقوبة السرقة في الإسلام والقوانين الوضعية، وكذلك عقوبة الزنا، في كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، وأيهما أردع للمجرم وأكثر تمشيا مع العدل والإنصاف، ومع اتجاه العقوبة إلى الجريمة حيث تقطع من قطع وتقتل من قتل .. الخ.

أما السرقة فهي معروفة وقد تقدم في فصل خاص تعريفها وشروط عقوبتها.

ولكن أبين هدي القرآن في ذلك بقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} الآية. وذلك أن هذه اليد الخبيثة الخائنة التي خلقها الله لتتصرف وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني - مدت أصابعها الخائنة إلى مال الغير لتأخذه بغير حق، واستعملت قوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر، وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح، يد نجسة قذرة ساعية في الإخلال بنظام المجتمع إذ لا نظام له بغير المال، فعاقبها خالقها بالقطع والإزالة، كالعضو الفاسد الذي يجر الداء لسائر البدن، فإنه يزال بالكلية إبقاء على البدن وتطهيرا له من المرض، ولذلك فإن قطع اليد يطهر السارق من دنس ذنب ارتكاب معصية السرقة، مع الردع البالغ بالقطع عن السرقة، وتطهيره بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عليه البخاري في صحيحه بقوله: " باب الحدود كفارة " ثم ساق السند إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا)) وقرأ هذه الآية كلها ((فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا وعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)).

وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: ((فهو كفارة له)) نص صريح في أن الحدود تطهر المرتكبين لها من الذنب.

فإن قيل: أخرج الشيخان في صحيحيهما وأصحاب السنن من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.

وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا.

والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدا، مع أنه علم من الشرع أن اليد فيها نصف الدية، ودية الذهب ألف دينار فتكون دية اليد خمسمائة دينار. فكيف تؤخذ في مقابلة ربع دينار، وما وجه العدالة والإنصاف في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>