لذلك لا يعتبرون الزنا جريمة في حد ذاته، إلا إن حصل بغير رضا أحد الطرفين أو في بيت الزوج مثلا، وإن اعتبرته بعض القوانين الوضعية جريمة فلا يعاقبون عليها معاقبة تردع، وعدم الجزم من القوانين في مثل هذه الجرائم سبب للعالم كثيرا من الويلات والدمار من تفكك أسر وضياع شعب وتفشي الأمراض الجنسية يعلمها كل من درى عن تلك البلاد، حتى إنه في إحدى الدول الأوربية سوق لبيع اللقطاء، فيأتي الرجل أو المرأة فتشتري منه ما تشاء من الأطفال كأنه سوق غنم.
تلك نتائج المدنية الحديثة التي لم تأخذ بنظام السماء.
فالحاصل أن الشريعة الإسلامية وهي من قبل أربعة عشر قرنا لم تكن فيها ما يناقض العقل السليم والأصلح للأمة، ولم يكن في القوانين الوضعية فكرة إصلاح أو تقعيد قاعدة ذات شأن في رقي المجتمع إلا والشريعة سبقت لذلك.
والمشاهدة دليلنا، ولكن الأيدي الخائنة جادة في إبعاد المسلمين عن الإسلام لخطورة ذلك على الأعداء. وهو تمسك المسلمين بدينهم، فلو تمسكوا بنظام القرآن في جناياتهم لعمهم الأمن والرخاء ولسادوا العالم أجمع.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
ومع الأسف إنا كما قال الشاعر:
كفي حزنا أن لا مهاة لعيشنا ولا عمل يرضى به الله صالح
والآن أوان الشروع في تبيين كون القرآن شاملا لمصالح البشر.
وذلك لكون المصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة:
الأول: درء المفاسد المعروف عند الأصوليين بالضروريات.
الثاني: جلب المصالح المعروفة عند أهل الأصول بالحاجيات.
الثالث: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات المعروف عند أهل الأصول التحسينيات والتتميميات.
وكل هذه الأمور الثلاثة هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق ...
فالأولى من المصالح: هي المحافظة على الجواهر الستة التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والنسب والمال.
فجعل من بدل دينه يقتل ومن قتل يقتل ومن تعرض للعقل بإزالته يحد أو ببعض منه بقدره وعلى النسب والعرض الحد المناسب وعلى السرقة كذلك وكل في الآيات.
والثانية وهي جلب المصالح: كقوله تعالى: {فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}. وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ}. وقال جل وعلا: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}.
ولأجل هذا جاء الشرع الكريم بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع ليستجلب كل مصلحته من الآخر، كالبيوع والإيجارات والمساقاة والمضاربة ونحو ذلك.
والثالثة الجري على مكارم الأخلاق: قالت عائشة رضي الله عنها: أن خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن. وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} يدل مجموع الآية وحديث عائشة أن المتصف بما في القرآن يكون في خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق، فمن ذلك قوله تعالى: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الآية.
والله جل وعلا قال في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} على أنه القرآن لا اللوح المحفوظ.