وبهذا يفهم عد الزركشي والسيوطي رسالة "الأفراد" لابن فارس من مؤلفات الوجوه والنظائر، وسردهم لها في آخر نوع الوجوه والنظائر.
١٠ - أما الكليات التامة المطردة فهي نوع مستقل مقابل للوجوه والنظائر، وحقه أن يفرد بالبحث والدراسة وأن يبرز كنوع هام من أنواع علوم القرآن.
١١ - أن الكليات التفسيرية وإن كانت قديمة الظهور إلا أنها متجددة لا تنتهي، مستمرة لا تنقطع، فالكشف عن طرائق القرآن وعاداته مجال رحب لكل من وهبه الله علما في كتابه، ومن هنا يعلم صعوبة أن تستقصى، وظن إمكانية أن تحصى بما لا مزيد عليها.
١٢ - يمكن أن ينسب علم الكليات إلى علوم القرآن، وإلى التفسير الموضوعي في آن معا.
فبالنظر إلى استقلاليته، وتنوع أقسامه، وثماره وفوائده، فهو من علوم القرآن.
وبالنظر إلى أنها قاعدة استخلصت من استقراء مواردها وتقصي أفرادها وضم النظير إلى نظيره للتقعيد لمعنى أو طريقة قرآنية، أو للتأكد من صحة الكلية وانضباطها فهي من نوع التفسير الموضوعي، أما بالنظر إلى ثمرة الكليات الكبرى وهي توظيف الكليات التفسيرية في الترجيح بين الأقوال والاحتجاج لصحيحها فإن هذا متعلق بأصول التفسير ويبحثه المفسرون في قواعد الترجيح.
١٣ - كان لابن القيم – رحمه الله – اليد الطولى والقدح الأعلى في الكشف عن اصطلاحات القرآن وطرائقه المعهودة، فقد أبدع وأمتع في بيان أسرار التنزيل، ولطائف المعاني ودقائق التأويل، وجانب الكليات وعادات القرآن عند ابن القيم وتوظيفها ظاهرة هامة بارزة، تجلى فيها نفس ابن القيم التفسيري البارع، والغريب أن الدراسات حول جهود ابن القيم التفسيرية لم تولي هذه الظاهرة حقها من العناية بل ربما أغفلتها، وهذا الموضوع جدير بأن تكثف حوله الدراسات والرسائل.
١٤ - ظهر لي أن كثيرا من المعاني التي يذكرها أهل الوجوه والنظائر بحاجة إلى إعادة نظر، فهناك الكثير من الأقوال الضعيفة، والتكثر من تعداد الوجوه بلا موجب، وتشقيق المعاني، مما يتطلب تحريرا أكثر، ونظرة نقدية لهذه الوجوه.
فلا يكتفى بالمقارنة بين ما ورد في تلك المؤلفات من ألفاظ دون التدقيق في وجوهها، وتحقيق معانيها.
١٥ - بما أن هذه الدراسة تكاد تكون الأولى في هذا اللون التفسيري وبهذه المنهجية الاستقرائية النقدية، فإنها تستلزم الإكمال والتتميم في دراسات مماثلة.
وخاصة "كليات الأساليب" وبيان عادات القرآن وطرائقه المعهودة في كثير من القضايا والمعاني.
فهذا ميدان جم الفرائد، غزير الفوائد، ثمين اللطائف، عظيم الأسرار.
١٦ - نال كثير من أئمة التفسير عناية الدارسين فخصوهم بدراسات تكشف جهودهم وتبرز مناهجهم وتآليفهم في تفسير القرآن، ولكن بدا أنهم لم يولوا جانب الكليات عند أولئك المفسرين حظا أوفر واهتماما أكبر من شأنه أن يجلي معالم هذا الاتجاه ويسفر عن وجهه، فكان لزاما أن يلتفت لهذه الظاهرة التفسيرية عند أولئك المفسرين، ومن أبرزهم:
الراغب الأصفهاني، ابن عطية، الرازي، ابن القيم، ابن عاشور، الشنقيطي، محمد رشيد رضا.
١٧ - ما تم دراسته في هذه الرسالة من الكليات قارب الستين كلية، وبقيت كليات وفيرة قد استخرجتها من بطون التفاسير، وأحصيتها ومحصتها، ووثقتها من مصادرها، وسأضمها جميعا – بمشيئة الله، إن فسح الله لي في الأجل – في معجم كبير للكليات، راجيا أن يكون عملا متمما لهذه الدراسة الأولى في هذا الميدان، ومثريا المكتبة القرآنية بعون الله تعالى.
والله أسأل أن يسدد الخطى، ويبارك في الجهود.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
والحمد لله أولا وآخرا.