وليس مسلك التأويل في صفات الله تعالى من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ولا يتوجه فيها الإنكار إذ أنه مخالف لإجماع الصحابة والسلف والذين لم يصح عنهم حرف واحد في التأويل. وفي مقابله صحت آلاف النصوص التي تنهى عنه وتحذر منه ومن أهله.
وبهذا يتبين أن الواجب على أهل العلم بيان الواجب في صفات الله تعالى والأمر باتباع نهج الصحابة والسلف الكرام والنهي عن كل ما خالف ذلك والإنكار على فاعله مهما كانت منزلته ومكانته مع أنه قد يكون في الأمر نفسه مجتهدا لم يتبين له الحق فيكون عذرا له عند الله بل مأجورا عليه.
ومما ينبغي التنويه عليه أن بيان الحق في أسماء الله وصفاته من الواجبات العظيمة ومن تعظيم الله وتعظيم كتابه وتعظيم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن الرد على من خالف في ذلك واجب متعين على أهل العلم وهو من أعظم الجهاد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: " الذب عن السنة أفضل من الجهاد".
وليس هذا تفريقا للأمة ولا تشتيتا لها كما يروجه بعض الجهلة لأن قبول كلام الأشاعرة وغيرهم من أصناف المعطلة الخائضين في صفات الله بعقولهم وآرائهم والرضى به أو السكوت عنه وعن بيان خطئة والتحذير من أهله يستلزم أمورا عظيمة:
أولا: مخالفة الكتاب والسنة في أعظم وأشرف العلوم وهو العلم المعلق بذات الرب تعالى وصفاته وجماله وجلاله.
الأمر الثاني: التسلط على آيات الكتاب ونصوص السنة تحريفا وتعطيلا بمحض الآراء الفاسدة والعقول الكاسدة وهذا يفقد الكتاب والسنة الهيبة والتعظيم في القلوب.
الأمر الثالث: أن يلتمس الهدى من غير الكتاب والسنة بل من آراء المتكلمين ونحاتات أذهانهم.
الأمر الرابع: زيادة التفرق والاختلاف بين المسلمين وذلك بالخوض في المعاني المجازية المختلفة فكل يقول: مراد الله كذا والآخر يعارضه ويقول: بل مراده كذا وهكذا حتى تختلف القلوب. والقلوب لا تجتمع إلا على قدم التسليم لنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
الأمر الخامس: أن السكوت عن الإنكار على الأشاعرة ومن وافقهم خروج عن منهج السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة بعدهم وتنكب عن طريقهم إذ أنهم لم يقبلوا التعرض لآيات الصفات بالتأويل ولا التفويض والتجهيل ولذا اشتد نكيرهم على أصحاب هذه المقالات، وعظم هجرانهم لهم والتحذير من طريقتهم. وعلى هذا فكل دعوة لقبولهم والسكوت عنهم هي في حقيقتها دعوة لترك منهج السلف ومخالفتهم.
الأمر السادس:
أنه مخالف لما أمر الله به المؤمنين من التواصي بالحق في قوله {وتواصوا بالحق} ومخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من قام بمراجعة هذه الرسالة والتقديم لها. كما أني أدعو مؤلفي كتاب " أهل السنة الأشاعرة " إلى الرجوع عما سطرته أيديهم فيه والعكوف على كتب السلف قراءة ودراسة ليتبين لهما كثيرا مما كان خافيا عليهما.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين