للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أن توحيد الله أولى من توحيد الصفوف، ومنكرات الصوفية تتضمن خلاف توحيد الله, فأيهما نقدم على الآخر: توحيد الله أم توحيد الصفوف؟ والحق الذي أؤمن به أن جمع الناس على توحيد الله ينتج عنه توحيد الناس. ولا يمكن جمع الأمة على خليط من اعتقادات التوحيد والشرك مهما اجتهد المصلحون. لأن الله هو الذي يؤلف القلوب وهو الذي يفرقها إن شاء كما قال: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: ٦٣]. وكان ذلك بعد أن اجتمعوا على التوحيد الخالص, والطاعة المطلقة, ونبذ البدع والشرك التي هي من عوامل التفرق والتشرذم. إذن فتحقيق كلمة التوحيد شرط لتحقيق توحيد الكلمة.

٣ - أن الله لا ينصر الأمة وفيها أمثال هؤلاء، وكيف ينصرنا الله على الأعداء المشركين وعندنا نصيب من شركهم؟ إن مخالفات التصوف ممرضة للجسد الإسلامي, تعيقه عن قيامه بوجه أعدائه، فإذا كان الجسد الإسلامي مريضاً فيجب مداواته قبل تكليفه بالقيام في وجوه أعدائه.

٤ - إن الذين ينهوننا عن إنكار منكرات التصوف والمحدثات والشرك إنما أخطؤوا حين ظنوا أننا نحن الذين نفرق الوحدة, والحق أن الذين يحدثون البدع والشرك هم العامل الرئيسي في تفرق الأمة, فالواجب وضع حد لهم لا المنكرون عليهم.

٥ - أن أهل البدعة صاروا يعملون بين ظهراني المصلحين وعلى مرأى منهم، بلا ردع ولا إنكار عليهم، بل دخل البعض منهم إلى صفوف المصلحين. وهذا ينذر بوقوع اللعنة كما وقعت اللعنة على بني إسرائيل على لسان أنبيائهم, وضرب قلوبهم بقلوب بعض حين كانوا يجالسون أهل المنكر, ويؤاكلوهم من غير إنكار للمنكر الذي كانوا عليه.

٦ - أن البدعة لا تعرف حداً تقف عنده، وإنما هي في تطور مستمر، فإن لم نعمل على إنكارها اليوم فسنجد أنفسنا غداً محاطين ببدع أعظم لم نقدر على ردعها وإنكارها.

٧ - أننا أمرنا بالتبليغ لنكون شهداء على الناس, ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم علينا شهيداً, ونهينا عن كتمان الحق بأي وجه من الوجوه لأن كتمان الحق في عرف الشرع خيانة, وهو خصلة من خصال بني إسرائيل، وأن من العامة من يخدعون بالبدع والضلالات, ولا يدركوا حقيقتها, فمن يكون المسئول عنهم غداً أمام الله إلا المصلحون, الذين يعلمون الحق ويكتمونه لمصلحة المسلمين وصوناً لوحدتهم: (زعموا)؟!

ولئن كان لي من كلمة إلى القراء الأفاضل في ختام هذه الخاتمة فإني أوصي باتباع الكتاب والسنة قولاً وعملاً، فإنهما وسيلة النجاة من فتن هذه السبل المضلة.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال:

هذا سبيل الله. وهذه السبل, على كل سبيل منها الشيطان يدعو إليه (ثم تلا قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي).

وأن نعمل على إخلاص القول والعمل لله تعالى.

قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: ٢].

قال القاضي عياض: (أفضل العمل أخلصه وأصوبه. قالوا ما معنى ذلك؟

قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل.

وإذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل أيضاً.

ولا يقبله الله إلا إذا كان خالصاً صواباً.

والخالص أن يبتغى به وجه الله تعالى.

والصواب أن يكون على السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>