١٢ - نفت الماتريدية الصفات الفعلية اللازمة، وذلك لأن الأصل في ثبوتها الخبر، ولأنها صفات اختيارية، وهم يمنعون أن تقوم بالله صفة اختيارية حذراً من التشبيه وفراراً منه، وقولهم هذا باطل عقلاً ونقلاً، كما تقدم بيانه.
١٣ - قالت الماتريدية في كلام الله: أنه معنىً واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشيئته تعالى وقدرته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، وأنه كلام نفسي، وأنه لا يسمع إنما يسمع ما هو عبارة عنه.
وقولهم هذا لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن أحدٍ من سلف هذه الأمة.
١٤ - يرى جمهور الماتريدية أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة. بحجة أن المعجزة وحدها التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسول.
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء، ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تُعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح، بل هو باطل عقلاً ونقلاً.
١٥ - تعريف الماتريدية للمعجزة بأنها: أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة، تعريف غير منضبط، بل هو مضطرب وغير مستقيم.
١٦ - قول الماتريدية بأن جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر لا تعلم إلا بالسمع قولٌ غير صحيح. بدليل أن العقل قد دل على اليوم الآخر. والسمع قد نبه على دلالة العقل.
١٧ - أن الماتريدية تثبت جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر كنعيم القبر وعذابه، وأشراط الساعة .. وذلك لاعتمادهم السمع كمصدر للتلقي فيما يتعلق باليوم الآخر.
١٨ - أن إثبات الماتريدية للرؤية مع نفي الجهة والمقابلة، قول متناقض. فهم بقولهم هذا أثبتوا ما لا يمكن رؤيته.
١٩ - أن حقيقة قول الماتريدية في أفعال العباد: أن للعباد إرادة غير مخلوقة، وهي مبدأ الفعل. فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم استقلال تام كما يشاؤون، وخلق الله لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم الجزئية غير المخلوقة.
٢٠ - أن مذهب جمهور الماتريدية في الاستطاعة: أنها تفعل على نوعين: الأول، سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل، والثاني: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل، وتكون مع الفعل.
وقولهم هذا هو القول الصحيح في المسألة، وهو الذي قد دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية.
٢١ - أن الماتريدية وافقت المعتزلة في مسألة التكليف بما لا يطاق، وقالوا بعدم جوازه، والصواب في المسألة هو التفصيل وعدم إطلاق القول بالجواز أو المنع.
٢٢ - ذهبت الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وقال بعضهم بأنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان. ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه. كما أنهم قالوا بأن الإيمان والإسلام مترادفان ولا فرق بينهما.
ولا ريب أن القول الحق هو: أن الإيمان: اعتقاد بالجنان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويجوز الاستثناء فيه، والمقصود به عدم تزكية النفس. وأما الإسلام والإيمان فإنهما متلازمان: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
٢٣ - أن الماتريدية قالت بصحة إيمان المقلد مع الإثم على ترك النظر والاستدلال وقولهم هذا باطل؛ لأنه بني على أصلٍ باطل، وهو أن النظر والاستدلال أصل الدين والإيمان.
٢٤ - أن قول الماتريدية بأن مرتكب الكبيرة فاسق، وليس بكافر حق وصواب. لكن زعمهم بأن الفسق ليس له أثرٌ على الإيمان، فهو بلا ريب قولٌ باطل ترده الأدلة الصحيحة. والحق أن مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان، لا يعطى اسم الإيمان المطلق.
٢٥ - أن هناك توافقٌ كبيرٌ بين الماتريدية والأشاعرة، وسر هذا التوافق أن كلتا الفرقتين انبثقتا من الكلابية. وما بينهما من خلاف فإنما يقع في مسائل معدودة.
٢٦ - أن الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة خلافٌ كبير. ورغم هذا الخلاف فإن الماتريدية قد تأثرت بالمعتزلة، ووافقتها في عدة مسائل.
٢٧ - أن أهل السنة والجماعة يقولون في الماتريدية بالعدل وينصفونهم، ويعترفون بما معهم من الحق للمجتهد أو طالب الحق منهم، ويذمون الظالم والمتعصب ومن كان متبعاً للهوى.
وبعد: فهذه مجمل النتائج التي توصلت إليها، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.