للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من الخلافات بين المسلمين قد تكون لفظية، ولكن لسبب ما وغاية غير حميدة، وسوء استخدام لهذا الخلاف. تكبر الفجوة وتتسع بين المختلفين مما يؤدي إلى تسطير الأسفار في التعييب والنقد والنقض مما يؤدي إلى هدر الجهود والطاقات وتمزيق الوحدة، وتجافي القلوب مما يترتب عليه ضعف الأمة وانهيارها ومن ثم تكالب العدو عليها فيستبيح أرضها وأعراضها.

ولهذا ينبغي الكشف عن المعاني الدقيقة، وإقامة الحوار الواضح الهادف الذي من شأنه يجمع ولا يفرق، يقوي ولا يوهن، يكسب المودة، ويبعد التجافي، ويمكن الاستعانة على ذلك بتأصيل ألفاظ القرآن الكريم والسنة حتى تكون العمدة في أي حوار ينشأ بين مدارس المسلمين المتنوعة، والبعد عن استخدام المصطلحات التي قد يشق على الباحث فهم مراميها ومقصدها.

سادساً:

إن ما يمكن أن نجعله علامات للفكر الإسلامي في هذه المرحلة من مراحل تطور مشكلة الحرية، وصراع الإرادة المختارة والفاعلية الإنسانية مع مفهوم القدر في أذهان المسلمين هو الآتي:

أولاً: لجأ ضعيفوا الإيمان وأصحاب القلوب المريضة إلى التمحل بالمشيئة والقول بالجبر المحض مع قلة التقوى وإقبالهم على المعاصي كما هي طبيعة الأمم السابقة حيال المشكلة مع اتخاذ الجبرية قاعدة لمنطلق سياسي.

ثانياً: هناك تيارات مشبوهة بالزندقة من خارج وداخل العالم الإسلامي ساعدت على تقوية هذا الاتجاه، ثم ساعدت على ظهور وتقوية الاتجاه المضاد وهو إنكار القدر، وذلك بين عامة المسلمين.

ثالثاً: كانت نشأة القدرية ومحاولة أصحابها تحرير الإرادات الإنسانية وإثبات فاعلية البشر والعدل الإلهي كرد فعل لانتشار الجبرية بين الناس، فقال به كثير من مخلصي المسلمين هروباً من شناعات القول بالجبر وتبريراً للخروج على السلطان من الخارجين.

رابعاً: لم يعرف القدريون من مفكري المسلمين حتى هذا العهد التفرقة بين الأمر الكوني والأمر الابتدائي، مما جعل أمامهم ذا شقين لا ثالث لهما، إما جبر، وإما تفويض ولا قدر.

خامساً: وقف السلفيون من صحابة وتابعين ومحدثين وفقهاء في وجه الاتجاهين: الجبر والتفويض يثبتون المشيئة الإلهية المطلقة، وأن كل شيء بقضاء وقدر، حتى معاصي العباد، كما أكدوا وجود الذات الإنسانية الحرة الفاعلة متبعين في ذلك الكتاب والسنة مع التوقف عن الجدل والبحث والكلام بإعتباره أمراً مستحدثاً.

سابعاً: أخطأ المعتزلة في تصورهم لعدل الله حين قالوا:

أولاً: إن من يدخل النار لا يخرج منها أبداً مع قولهم: إن مرتكب الكبيرة – ولو كان يشرب جرعة خمر واحدة – إن لم يتب قبل الموت فإنه مخلد أبداً في النار ولا يشفع له نبي ولا ملك مقرب ولا عمل طول العمر، بمعنى أن الكبيرة أحبطت سائر عمله.

ثانياً: إلحاقهم وعيد فساق المسلمين بوعيد الكفار وحملهم آيات الوعيد الواردة في الكفار المشركين على فساق المسلمين، وجعلهم في ذلك سواء فهم في نار جهنم خالدين فيها أبداً علماً بأنهم يفرقون بينهم في أحكام الدنيا فيجوزون لفساق المسلمين مناكحتهم وغير ذلك مما لا يجوز أن يفعلوه.

ثالثاً: تغليبهم عقاب الله – وهو من غضبه – على ثوابه – وهو من رحمته – مع بيان أن الله قد أخبر أن رحمته سبقت غضبه وأن رحمته شملت كل شيء، وإنكارهم للشفاعة المخرجة لفساق المسلمين من النار وكذلك إنكارهم لعفو الله الشامل لمن دخل النار ممن يشاء الله خروجهم منها.

فعدل الله لا يعرف بدلالة العقل فقط بل ينبغي قراءة النصوص وفقه معناها فيها ندرك عدل الله وسعة رحمته وغيرته على أن ترتكب محرماته. فالنقل والعقل وسيلتان متلازمتان لمعرفة عدل الله، فإن عطلت إحداهما حصل الإخفاق وانتكست النتيجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>