لا يصح جعل مخالفة الراوي لما رواه بمنزلة روايته للناسخ، لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، ومجرد المخالفة لا يلزم أن تكون للنسخ فقط لجواز أن يكون لتقديم دليل آخر راجح.
إن النسخ له شروط معتبرة من حيث الثبوت والقوة ومعرفة التاريخ للمتأخر .. الخ.
إن السنة الصحيحة قاضية على كل تأويل واجتهاد يخالفها وأقوال الصحابة ليست حجة من اختلافها.
ثانياً: القسم التطبيقي:
وبحثت فيه ثمان وعشرين مسألة عن جماعة من الصحابة وهم أبو هريرة وابن عمر وعائشة وابن عباس ومعمر بن عبد الله وجماعة من التابعين ومن بعدهم وظهر لي النتائج الآتية:
أن مخالفة الراوي لما رواه لا تصلح للقدح والطعن في روايته لأسباب منها:
أ – أنها غير متفق عليها.
ب – أن مخالفتهم في هذه القاعدة سوف يقلب عليهم الأمر فيقول: لماذا لا تكون الرواية الثابتة الصحيحة دليلاً على سقوط رأيه المخالف لها. كما قاله ابن عبد البر في المسألة الأولى.
ج – إن من المسائل مسائل لم يثبت فيها تأخر الرأي عن الرواية فما يدري أقبل الرواية أم بعدها وإذا كان الأمر كذلك فنجعله من القسم الذي لم يعلم تاريخه وهنا يتفق الجميع على الأخذ بالرواية.
د – إن القول بأن العبرة بما رآه لا بما رواه يجعل أصحاب هذا القول حين استدلالهم برواية راوٍ ينظروا هل لراويها مخالفة أم لا. وهو غير صحيح مثل رواية ابن عباس في نكاح الأيم والبكر حيث استدل بها على جواز النكاح بغير ولي ولراويها رأي مخالف لها.
هـ - إن المخالفة والمعارضة بين الرأي والرواية أحياناً نحتاج للترجيح بينهما النظر في الأدلة الأخرى كمسألة زكاة الحلي ومسألة الطلاق الثلاث.
و– إن القول بما رآه الراوي لا بما رواه ينبغي أن يقيد عندهم بما إذا لم يكن له رأي آخر موافق لروايته كمسألة صيام يوم الشك.
فإن صور مخالفة الراوي لما رواه من حيث موافقته أو مخالفته لروايته على قسمين:
١ - رأي موافق لروايته وهو الأصل.
٢ – رأي مخالف لروايته وهو خلاف الأصل.
فإذا وجد للراوي رأي موافق لروايته ورأي آخر مخالف لها فلا شك في تقديم رأي الموافق لروايته من باب الترجيح بين الرأيين مثل مسألة قتل المرأة المرتدة.
مخالفة الراوي لروايته الصحيحة لا تخلو إما أن تثبت بسند صحيح أولاً.
فإن كان الثاني ترجح الخبر على ذلك الأثر بالضرورة لترجح الثابت الصحيح على غيره بالقوة وهذا الشرط ينبغي اعتباره واستصحابه عند كل مخالفة راوي لروايته، ولا يصح أن نجعل الأثر الضعيف مقياساً لرد الخبر الصحيح.
وإن كان الأول: وهو ثبوت المخالفة سنداً وكانت بعد الرواية فإن مخالفته على قسمين:
١ – رواية محتملة المخالفة.
٢ – رواية غير محتملة المخالفة.
ومن الشروط أيضاً: أن تتحقق المخالفة التامة بين الرواية والرأي من ناحية المتن وعدم الجمع بين روايته ورأيه، وأن لا يكون رأيه معتمداً على رواية أخرى، وأن لا يخالفه صحابي آخر.
وعند التحقيق والنظر في بعض المسائل أجد أنه لا تعارض بين رواية الراوي وبين رأيه لإمكان الجمع بينهما كمسألة صلاة الوتر على الدابة، ومسألة حكم القيء للصائم وقد سبقا الجمع بينهما.
أما مسألة أقل مسافة للقصر فإن رواية الراوي لم تسق لبيان تحديد مسافة القصر وفعله في قصر الصلاة موضوع آخر فليس هناك مخالفة بين الرواية وبين الرأي.
إذا اعتمد الصحابي في رأيه على رواية أخرى فإن المسألة تخرج من باب المخالفة وتكون من باب التعارض بين الأدلة كمسألة رضاع الكبير.
إذا خالف الصحابي في رأيه صحابياً آخر فإن المسألة تقرب من باب قول الصحابي وفعله حجة أم لا كمسألة صيام يوم الشك.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.