١٠. إن الشرع الحنيف نبه على أنواع من الأدوية، ونوه على فعاليتها، وأرشد إلى الاجتهاد لطلب مكنوناتها، وقد تجلت كثير من أسرار الشرع الحنيف من خلال التجارب والأبحاث التي قام بها بعض الدارسين والباحثين. كما نبه على أنواع منها تشتمل على محاذير شرعية. وقد ذكرت بعضا من هذه وبعضا من تلك.
١١. إن الكحول هو روح الخمر وعلة إسكارها، وقد أقحمه من لا خلاق له من الكفار وغيرهم من مصنعي الأدوية في معظم الأدوية دون حاجة لذلك، بل هناك العديد من البدائل الشرعية التي تقوم مقامه، بل وأحسن منه أحيانا.
١٢. إن مما استجد من نوازل العلاج قضية غرس الأعضاء، وقد عرضت لها وأطلت البحث فيه نسبيا، والذي اتضح لي فيها ما يلي:
أ- إن الغرس الذاتي لا إشكال فيه.
ب- إن الغرس من الغير: إن كان من الأموات فمقتضى الأدلة وقواعد الشرع جوازه، وقد بينت وجه ذلك.
ج- إن الغرس من الغير: إن كان من الأحياء، فالأرجح منعه، وما ذكره المجيزون من حجج فهي ضعيفة.
د- إن موت الدماغ المعروف عند الأطباء ليس موتا شرعيا، ولا تترتب عليه أحكام الموت الشرعي، وميت الدماغ حكمه حكم الحي المعصوم يحرم الاعتداء عليه.
١٣ - إن الرقى الشرعية أمثل أنواع الدواء وقاية وعلاجا لو أحسن الناس أخذها، بل من الأدواء ما لا يجدي فيه غير الرقى الشرعية، وأن ذلك مما لا يعرفه الطب الطبائعي. غير أن من الناس من غلا في أمرها وفتح أبوابا بدعية، واتخذ الرقى وسيلة للاعتداء على أعراض الناس وأموالهم. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
١٤ - إن مدارس الطب النفسي قد فشلت في غالب أحوالها لما عملت بمعزل عن نور النبوة. وأن طريقة الإسلام في معالجة الأدواء النفسية هي الحق الذي لا محيد عنه، وفيها البلسم الشافي للعلل النفسية.
١٥ - إن الأدوية وخاصة العقاقير تخلف آثارا محسوسة على المكلفين، أي على أبدانهم وأرواحهم، وأخرى غير محسوسة، أعني على طاعتهم. وأن الآثار المحسوسة مضمونة في الجملة. وأما الآثار المعنوية أي الآثار التي تكون على الطاعة، فشملت نوازل فقهية مهمة هذه من أبرزها:
أ- المنظار الذي يكون من أسفل من قبل أو دبر لا ينقض الطهارة لذاته. ومثله الأدوية التي تعطى من أسفل كالتحميل، والحقن الشرجية، ووضع الإصبع للفحص.
ب- سحب الدم من المريض لا ينقض الوضوء.
ج- الدواء الذي يذهب العقل يفسد الوضوء.
د- إعطاء الدم لا يؤثر في صحة الصلاة. وكذا غرس العضو.
هـ- المنظار العلوي أو السفلي لا يبطل الصيام. وكذا الفحص بالإصبع ونحوه.
والأدوية التي تكون على الجراح لا تفسد الصوم، ولو كانت جائفة أو مأمومة.
ز- الغسيل الكلوي (الإنفاذ الخلبي/البريتوني) يفسد الصوم على الأظهر نظراً لدخول الجلوكوز إلى الدم.
ح- الإبر الوريدية إن كانت علاجية لا تفسد الصوم، وإن كانت مغذية تفسده.
ط- إعطاء المريض الدم يفسد صومه. وكذا الغسيل الكلوي (الإنقاذ الدموي) من جهة اصطحاب الدم الجلوكوز معه.
ي- الأرجح في سحب الدم أنه لا يفسد الصوم.
هذا وقد اتضح لي ضرورة اهتمام المسلمين بمجال الدواء، خاصة وهم أهل السبق في كل خير، وفي شريعتهم إشارات عديدة لضروب من الأدوية، فكيف يكون غيرهم أسبق منهم في ما كان كذلك؟ ومع هذا فإن أكثر الاكتشافات والأبحاث في الأدوية الآن تجرى في بلاد الغرب، حتى ما اختص منها بالتنبيه عليه الشرع الحنيف، كالحبة السوداء والعسل وغيرهما كثير.
كما اتضح لي وجوب سعي الأمة لإيجاد مصانع مستقلة تقوم على أساس الشرع حتى لا تدخل على المسلمين المواد المحرمة في أدويتهم، كالخمر والخنزير ضمن الأدوية التي يصنعها أهل الكفر الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى لا تكون الأدوية حكرا لأعدائنا فيتخذونها سلاحا ضدنا، وحتى لا تذهب أموال الأمة المصروفة في الدواء إلى خزائن الكفار. والأمة والحمد لله قادرة على ذلك كله بما وهبها الله من خيرات وفيرة، لكنها تحتاج إلى صدق وإخلاص وهمة وعزيمة وإحساس بعظم المسؤولية.
عسى أن يعي أهل الشأن في الأمة الحبيبة هذا ويعملوا لتحقيقه، فيتقي المسلمون شر ما هم واقعون فيه الآن، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.