للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤. وأنه بناء على ما ثبت من ابتناء الشريعة على رفع الحرج، وإجماع الأمة على أن جميع ما فيها من الأحكام كان لصالح العباد، لم يصح القول بأن يعارض به النص القطعي، وذلك لأن رفع الحرج -وإن كان قد ثبت بالدليل القاطع- إلا أن تحققه في أفراد جزئياته لا قطع فيه إلا في مجالات محددة، وهو في هذه المجالات لا يعتبر معارضا للنص حقيقة، لأن استثناءه لم يرد اعتباطا، بل ثبت بالنصوص الشرعية نفسها.

ولكن متى تحقق الحرج في مجالات أخف من مواضع الضرورة، فإنه لا يجوز أن يعارض به غير الأمور المظنونة التي لم تعضدها قواعد شرعية معتبرة، ومن أجل هذا رجحنا العمل به في هذا الميدان، ورجحناه في بعض مجالاته أيضا على القياس.

٥. وإن رفع الحرج لا علاقة له ببعض المبادئ القانونية، كالقانون الطبيعي، ومبدأ العدالة، لاختلاف حقائقها عن حقيقته، ولأن هذه المبادئ ليست من القوانين، وإنما هي شيء خارج عنها يكمل ما فيها من نقص، أما رفع الحرج فهو من صلب القانون الإسلامي، والعمل به عمل بنصوصه.

٦. وقد كشفنا في هذه الرسالة عن أن كثيرا من الأدلة المختلف في شأنها، لا خلاف فيها لدى التحقيق، وأنها تستند إلى رفع الحرج في الشرع عند التأمل.

وقد لاحظنا أنها في الحقيقة أشبه بالقوانين والقواعد الموضوعة لضبط الحرج وتحديده، وإنها مرتبطة فيما بينها ترابطا قويا، وإن كانت متناثرة في الكتب ذات المناهج والمسالك المختلفة، من كلام، وأصول، وقواعد، وفقه.

وعملنا في هذه الرسالة على جمعها في عقد واحد، وتنسيق ما بينها من عمل واختصاص، وعلى سبيل المثال نذكر ما حددنا، من علاقات بين قاعدة الأصل في المنافع الحل وفي المضار التحريم، ودليل المصلحة المرسلة وبين قواعد الضرورة والمشقة ودليلي العرف والاستحسان، وبين عوارض الأهلية، وأسباب المشقة والرخص وما شابه ذلك من الأمور.

وقد اجتذبنا من علم الكلام بعض قواعده، وأدخلناها في هذا المجال، نظرا لعلاقتها المباشرة به، كما كان الشأن في قاعدة التوبة، سواء كانت من المسلم أم من الكافر.

وبعد فهذه هي حصيلة جهدي، وما استطعت أن أقوم به من عمل، ولا يكلف الله نفسها إلا وسعها، فلله الحمد ثانية على ما أولاني من نعمه، وأسبغ علي من فضله وكرمه، وأرجو أن يعفو عني ويغفر لي ذنبي ويسدد خطاي، ويوفقني إلى ما فيه الخير، إنه سميع مجيب الدعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>