١٠ - إن الإسلام نظر إلى الاحتكار نظرة فريدة متميزة تمثلت في تحريمه ابتداء بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، وتوعد مرتكبه بأشد أنواع العقوبة كاللعنة وبراءة الله منه وإصابته بالجذام والإفلاس ونحو هذا، وذلك كله اتقاء لمضاره المهلكة، وويلاته الموجعة، وإبعاد العباد عن نتائجه وثماره الضارة.
وعليه: فلا التقاء بين النظرة الإسلامية للاحتكار، وبين غيره من النظم الاقتصادية الأخرى كالرأسمالية التي أباحته مطلقاً، ولا الاشتراكية التي أباحته للدولة وحرمته على الأفراد.
١١ - إن التسعير لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة إليه، كما إذا عمد التجار إلى إغلاء الأسعار بأن باعوا بأكثر من الأسعار المعقولة، وذلك منعاً للاستغلال ومراعاة لمصالح عامة الناس، وسداً للذريعة.
ويكون ذلك بفرض سعر عادل لا وكس فيه ولا شطط بحيث يضمن ربحاً مناسباً للبائع، كما يضمن وصول السلعة إلى المشتري دون احتكار أو استغلال أو ظلم.
أما إذا لم يكن بالناس حاجة إليه بأن كانت الأسعار معقولة ومناسبة لكل من الطرفين بلا تطرف ولاحيف، أو كان إغلاء الأسعار ناتجاً عن قلة الموجود من السلع في الأسواق أوعدم توفرها، أو ناتجاً عن كثرة الناس وعدم القدرة على موازنة السوق بجلب سلع أو بضائع من بلد آخر، فإن التسعير حينئذ لا يجوز، لأن الأصل عدم التدخل في المصالح الخاصة للأمة وأن الناس مسلطون على أموالهم، إضافة إلى أن الغلاء ربما أراده الله امتحاناً وابتلاءً لعباده، أو عقوبة لهم على تقصير منهم في أداء الواجبات أو ارتكاب المحظورات.
١٢ - إن وظيفة الدولة في الإسلام لا تقتصر على حفظ الأمن والدفاع ومباشرة بعض الوظائف الاجتماعية والمرافق العامة، بل تتعدى ذلك إلى بعض الأعمال المتعلقة بالاقتصاد فتقوم بالإشراف على الشؤون الاقتصادية في البلاد، ومراقبة المعاملات في الأسواق وذلك عن طريق نظام الحسبة الذي يخول للمحتسب مشارفة الأسواق، وتفقد أحوالها، ورعاية شؤونها، وبذل الجهد للوقوف على ما قد يحدث بها من معاملات محرمة كالربا والاحتكار والغش والاستغلال، والغبن، وبخس المكيال والميزان، فيحق للمحتسب حينئذ أن يتدخل في مثل هذه الحالات ونحوها باسم الدولة، فيمنعها ويعاقب عليها، وذلك إظهاراً للحق، وقمعاً للباطل، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر.
١٣ - إن نظام الحسبة نظام إسلامي أصيل، ولد ونشأ وترعرع وأتى ثماره في الإسلام، ولا يعنينا أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم في صدر الإسلام وأن القائم بها لم يكن معروفاً باسم "المحتسب" لان العبرة بالمعاني والحقائق لا بالأسماء والأشكال.
١٤ - الدعوة إلى إنشاء أسواق خاصة بالنساء، على أن تكون ذا هيئة وشكل خاص يختلف عن أسواق الرجال، وذلك بأن تكون بعيدة عن أسواق الرجال، وأن يحكم إغلاقها من جميع الجوانب، وأن لا يرتادها إلا النساء، وأن تتولى الدولة الإشراف عليها أمنياً وأخلاقياً، وأن تقوم على إدارتها، والبيع فيها، والإشراف عليها، نساء من ذوات الدين والأمانة والخبرة والدراية والخلق الحسن، وأن تتوفر فيه جميع الحاجيات والمستلزمات التي تخص المرأة وأطفالها ومنزلها، وأن تشتمل على مصلى خاص لأداء الصلوات في أوقاتها.