١٤ - جواز قيام الصورة الآلية مقام الرؤية في عقود المعاوضات المالية بشرط سلامة الصورة من إدخال تحسينات عليها لم تكن في المعقود عليه، وكون الصورة واضحة جلية، بحيث تصف واقع السلعة كما هي، فيجوز ذلك قياسا على صحة البيع بالأنموذج، والبيع بالوصف المنضبط، فإن اختل واحد من هذين الشرطين فلا يصح حينئذ.
وعدم قيام الصور الفوتوغرافية مقام الرؤية بين الخاطبين، في إحالة إمكان الرؤية البصرية المباشرة، وذلك لأنه لا يمكن الكشف بواسطة الصورة الفوتوغرافية - عن أوصاف لا بد من معرفتها، بالإضافة إلى موانع أخرى، فإن كانت الرؤية المباشرة متعذرة جاز قيامها حينئذ، لأن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، وأما إن كانت سينمائية صح قيامها مقام الرؤية المذكورة، بشرط سلامتها من التزوير، والتحريف، وعدم انتشار الصورة.
١٥ - جواز تمويل صور ذوات الروح التي تدعو إليها ضرورة، أو تقتضيها المصلحة العامة، سواء كان تمويلها من المال العام، أو الخاص، كما يجوز اتخاذها حرفة، ومهنة للتكسب المادي، ويجوز بيعها وشراؤها، وإجارتها واستعارتها، وهبتها، ويصح التعاقد عليها بسائر عقود التعامل.
ويجب الضمان على من أتلفها، أو اغتصبها، ويجب القطع بسرقة ما بلغ منها نصابا، إن كانت متقومة، والتعزير فيما لم يبلغه، أو كان غير متقوم.
وذلك لأن ما أباحته الضرورة، أو اقتضته المصلحة يكون من جملة الأموال المحترمة التي يجب المحافظة عليها، مادامت الضرورة إلى ذلك باقية.
وآلات هذا القسم من الصور تبع لها في كل ما سبق، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والتابع تابع، ولأن ما جاز بيعه، وشراؤه جاز التعاقد عليه بسائر العقود، ووجبت المحافظة عليه.
وأما ما كان من الصور المذكورة بخلاف ما ذكر، فإنه لا يجوز تمويلها ولا احترافها، ولا التعاقد عليها بأي نوع من أنواع العقود، وثمنها محرم والعقد غير نافذ، لأن ما حرم عينه حرم بيعه وشراؤه، وثمنه، وحرمت الإعانة عليه بقول أو فعل، وعلى ذلك، فلا يضمن متلفها، ولا يقطع سارقها لإهدار قيمتها شرعا، وعلى المتلف والسارق التعزير، إن كان فعله إفتياتا على ولي الأمر.
هذا إن كانت الصورة هي المقصودة بالعقد، وأما إن كان المقصود هو ما فيه الصورة، وهي تبع فينظر، إن كانت الصورة في وضع مهان صح العقد بدون إثم، وإن كان وضعها مشعرا بتكريمها، وصيانتها صح العقد مع الحرمة، والإثم.
وآلات هذا القسم من الصور فيها احتمالان: أقواهما في نظري أن المنظور إليه - في هذه الحال - إنما هو فعل الفاعل، وبناء على ذلك يجوز تمويلها، واحترافها، والتعاقد عليها بسائر أنواع العقود، ويضمن متلفها، ويقطع سارقها - إن بلغت قيمتها نصابا - وعليه التعزير إن لم تبلغ، أو بلغت نصابا مع وجود شبهة الإنكار، لأن هذه آله يمكن استخدامها فيما هو مباح، وليس استخدامها محصورا في المحرم فحسب. وهذا الاحتمال هو الأقوى في نظري لقوة تعليله، والله أعلم.
كانت هذه هي أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال بحث ومسائل الموضوع، وجزئياته المرسومة في الخطة، والمسائل التي أضفتها فيما بعد، نظرا لما رأيت من الصلة والارتباط بالموضوع، فإن صاحبني في ذلك التوفيق فهذا من فضل الله علي وكرمه وإحسانه.
وإن زل بي قلمي وسوء فهمي عن جادة الصواب إلى الوقوع في الخطأ فذلك مني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأستغفر الله من ذنبي، ومن زللي.
وفي نهاية هذه الخاتمة أتقدم بالشكر الوافر، والثناء العاطر لكل من قرأ بحثي هذا، وأهدي إلى خطأ، أو خللا، لكي أتلافاه قبل فوات الأوان، وأقول له كما قال الأوائل:
وإن تجد عيبا فسد الخلل فجل من لا عيب فيه وعلا
فإن الإنسان يخطئ مهما بلغ من العلم، والفطنة، والذكاء، فقد يقصر عند بعض المسائل فهمه وينغلق ذهنه، نظرا لطبيعته البشرية، والكمال المطلق إنما هو لله وحده جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.