وإذا لم يكن للتقويم دخل في إثبات العيب فإنه يكتفى بقول خبير واحد إذا اتفقت الأطراف على الاحتكام إلى خبير معين، أو كان الخبير الذي قرر أن هذا الشيء عيب بعد أكثر الخبراء أو من أكثرهم خبرة فيما طلب رأيه فيه، أما فيما عدا ذلك فينبغي الرجوع إلى عرف الناس وعاداتهم.
٥ – أوضحت في هذه الدراسة أن كتمان العيب حرام شرعا سواء أكان الكتمان من البائع نفسه أم من الأجنبي الذي يعلم العيب، وذلك للنصوص الصريحة التي نهت عن كتمان العيب.
وأوضحت أن التحريم عام يشمل كتمان جميع أنواع العيب، سواء أكان هذا العيب مثبتا للخيار أم لا؛ لأنه نوع من التدليس المحرم، وإن كان هذا التدليس لا يبطل العقد في القول الراجح الذي عليه جمهور الفقهاء.
٦ – إن الشروط التي يجب توفرها في العيب لكي تترتب عليه آثاره يمكن حصرها في أربعة شروط:
فالشرط الأول: وهو أن يكون العيب مؤثرا. قد أوضحت خلال دراستي أن معنى التأثير: هو ما أنقص القيمة أو المنفعة وكان جسيما. ثم بينت معنى الجسامة في العيب وهي: أن يكون مما لا يتسامح العرف بمثله أو لا يمكن إزالته بدون مشقة، ثم بحثت اختلاف الفقهاء في العيب اليسير والفاحش وأيهما يرد به المبيع، ومن خلال عبارات الفقهاء تبين لي أن للمعيار في اليسير والفاحش هو كونه منقصا للقيمة أو للمنفعة أو غير منقص.
أما الشرط الثاني: وهو قدم العيب فإنها قضية توقفت معرفتها على معرفة قضية أخرى وهي: (وقت ضمان المبيع) أي: متى يكون المبيع من ضمان البائع ومتى يكون من ضمان المشتري؟ وتلك قضية تشعبت فروعها واتسع الخلاف فيها: وقد ذكرت ذلك بنوع من الإيجاز.
وخلصت إلى القول بأن العيب إذا كان قبل العقد فهو عيب قديم بالاتفاق وما ثبت وجوده مقارنا للعقد فهو الآخر مما اتفق الفقهاء على عده، عيبا قديما.
أما الحادث بعد العقد وقبل القبض فالراجح أنه عيب قديم؛ لأن المبيع لا ينتقل ضمانه إلى المشتري إلا بالقبض.
أما الشرط الثالث: وهو الجهل بالعيب فقد أوضحت خلال دراستي أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الإقدام على شراء سلعة مع العلم بالعيب الذي فيها يخلي البائع من المسؤولية.
وقد بينت هنا أن استعمال أي وسيلة يخفي بواسطتها أحد المتعاقدين العيب يعد بالنسبة للطرف الآخر جهلا بالعيب، يوجب له الخيار عند اطلاعه عليه.
أما الشرط الرابع: وهو عدم اقتران العقد بالبراءة من العيب، فهنا تشعبت آراء الفقهاء في الأثر الذي يترتب على اقتران العقد بشرط البراءة إلى ستة مذاهب.
وقد رجحت المذهب القائل: بأن البيع بشرط البراءة من العيوب صحيح، وأن مشترطه يبرؤ به من كل عيب لا يعلمه، ولا يبرؤ من عيب علمه فكتمه؛ لأنه تدليس وغش؛ ولأن الراجح عند الفقهاء: أن اطلاع العاقد على العيب فرض على من يلعمه، ولا سيما صاحب السلعة المعيبة، ومن علم بالعيب ولم يبينه فهو آثم عاص، وللمتضرر من العيب في هذه الحالة الخيار عند اطلاعه عليه.
٧ – ظهر لي من خلال الدراسة التطبيقية دقة الفقهاء في حصرهم العيب في أبواب معينة، من العبادات، والأنكحة، والمعاملات المالية.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.