كما حث صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأصحابه، فقال – كما مر عند خطبة البحث من حديث العرباض بن سارية وقد رواه الترمذي وغيره بسند حسن صحيح-: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ". وقال صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الترمذي بسند حسن، عن حذيفة قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال-: "إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي" وأشار إلى أبي بكر وعمر "واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود قصدقوه". وفي رواية لأحمد في المسند:"واهدوا هدي عمار، وعهد ابن أم عبد" رضي الله عنهما وابن أم عبد، هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: "من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرأ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
وقال ابن القيم عقب ذلك:"ومن المحال أن يحرم الله أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً الصواب في أحكامه، ويوفق له من بعدهم". وقال عقبة بن عمرو الأنصاري: ما أرى أحداً أعلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبدالله – يعني ابن مسعود – فقال أبو موسى: إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل. وكان ابن سيرين يقول:"اللهم أبقني ما أبقيت ابن عمر أقتدي به".
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: "أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا".
وقال الإمام أحمد – يرحمه الله -: "حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة".
وبعد: فيا أخي الحبيب: إذا عرفت هذا فالزمه، وفقني الله وإياك إلى اتباع كتابه سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. فرغنا من تهذيبه وترتيبه ومراجعته ونسخه للمرة الأخيرة: صبيحة يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول عام ستة عشر وأربعمائة وألف هجرية، السابع من أغسطس عام خمسة وتسعين وتسعمائة وألف. كتبه: عزت بن روبي مجاور الجرحي أبو عبدالرحمن في الأحد: ١١/ ٣/١٤١٦هـ ٧/ ٨/١٩٩٥م