للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد كان المسلمون بهذا متسقين مع عقيدتهم، حتى في الأسماء والألفاظ، ولذلك؛ لم يقر

المحققون من العلماء إطلاق لفظ (الشارع) على غير الله تعالى؛ إلا على سبيل التجوز

والتساهل، لا على سبيل الحقيقة والتحقيق.

يقول الشيخ محمد فرج السنهوري في بحث جامع:

لا حاكم سوى الله سبحانه، ولا حكم إلا ما حكم به، ولا شرع إلا ما شرعه، على هذا اتفق

المسلمون، وقال به جميعهم، حتى المعتزلة ... الذين يقولون: إن في الأفعال حسناً وقبحاً يستقل

العقل بإدراكهما، وإن على الله أن يأمر وينهي على وفق ما في الأفعال من حسن وقبح؛ فالحاكم

عند الجميع هو الله سبحانه وتعالى، والحكم حكمه، وهو الشارع لا غيره.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُطلق عليه اسم الشارع في بعض عبارات العلماء؛ فما كان ذلك إلا تجوزاً؛ مراعاة لأنه المبلغ عنه.

وإذا كان الشاطبي في بعض المواضع قد سمى عمل المجتهد تشريعاً؛ فما كان منه تساهلاً،

أساغه أن عمل المجتهد كاشف عن التشريع، ومظهر له؛ فالسلطة التشريعية هي لله وحده.

والله جلت حكمته لم يفوِّض إلى أحد من عباده؛ لا إلى رسول، ولا نبي، ولا إمام، ولا ولي،

ولا إلى غيرهم: أن يشرع للناس من الأحكام مايريد، أو أن يحكم بينهم بما يراه هو من عند

نفسه، أو كيفما اتفق.

أمّا (العرف)؛ فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، إنما يلجأ إليه في معرفة ما يريده المتكلم

من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفي معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وفي الوقوف على

الشروط التي يصحح العرف اشتراطها في العقود، هذا هو كل ما يلجأ إليه في تكييف الواقعات

والنوازل؛ ليطبق عليها الحكم المعروف في الشريعة، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا

حكم فقهي لم يكن مبنيّاً على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهي إذا كان مبنيّاً على عرف ثم

تغير إلى عرف آخر.

فاعتبار العرف في الشريعة الإسلامية ليس من باب الإحالة التشريعية، كما أنه ليس من الأدلة

الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية.

أما جمهور المسلمين؛ فعلى أنه لا حكم للعقل، وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون

ذلك إلا من طريق الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكتاب والسنة)، الذي أمر بتبليغه

إلى الناس فبلغه.

فالطريق الوحيد إلى ذلك هو تبليغ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة

وأشباههما؛ فكل هذا لا يكون طريقاً لمعرفة حكم الله؛ لأنه ليس وحياً، والتبليغ إنما يكون من

الرسول عليه الصلاة والسلام في يقظة المبلغ إليه؛ فلا عبرة بتبليغ الأحلام.

وبهذا اتضح أن الدليل الحقيقي والمصدر الوحيد للتشريع الإسلامي بأجمعه هو الوحي الإلهي،

وأن مرد الإجماع والقياس إليه.

وأن المصادر الأخرى ليست خارجة عن الأربعة، أو هي ليست مصادر الفقه " اهـ.

وبهذا يتم ما أردت تقريره هنا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وسبحانك اللهم وبحمدك،

أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، كما

صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>