٥٢ـ تحمل العاقلة أرش الجناية خطأ إذا بلغ ثلث دية النفس فأكثر وتدفعه أثلاثا فإن كان الأرش الواجب ثلث الدية وجب في سنة وإن كان ثلثي الدية ففي سنتين وهكذا فإن لم يكن للجاني عاقلة أو كان له وتعذر الأخذ منها فإن أرش الجناية يتحمله بيت مال المسلمين فإن لم يمكن الأخذ من بيت المال وجب الأرش في ذمة الجاني ولا يسقط فيبقى دينا حتى يتمكن الجاني من الوفاء به وذلك لأن أرش الجناية حق وجب لآدمي فلا يقسط إلا بالوفاء به أو العفو عنه ممن هو له لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والشدة والضيق.
٥٣ـ قد يحكم للمجني عليه بالتعويض من جراء الجناية التي أصابته وألحقت به قد يحكم فادحة ترتب عليها تعطل المجني عليه عن الاكتساب وأقعدته عن العمل فلا بد من مراعاة هذا عند فرض الاستحقاق للمجني عليه فلا يسوى بين جناية طفيفة وأخرى أحدثت أضرارا بالغة نظرا لاختلاف جنايتهما وتفاوتهما.
هذه أهم النتائج وأبرزها التي ظهرت لي من هذا البحث ـ وهي جهد المقل ـ فإن أصبت فمن الله وحده وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فأستغفر الله منه وأتوب إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولكنه طبع البشر فكلنا نخطئ والعصمة لمن عصمه الله، ولكن حسبي أني اجتهدت وبذلت وسعي وطاقتي في كتابة هذا البحث بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعله بحثا نافعا لمن كتبه وقرأه وأن يجزل لنا الأجر والمثوبة وأن يعفو ويصفح عما حصل فيه من خطأ فقد ينبو الفهم ويزل القلم ويسق اللسان ولكن أملي في الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل.
وقبل أن أختم هذا البحث أود أن أذكر بعض التوصيات التي رأيت أنها من الأهمية بمكان حتى تدرس أكثر وتعطى حقها من الدراسة والبحث وأهم هذه الأشياء ما يلي:
١ـ النظر في مسألة استحقاق المشتري رد المعيب وأخذ ثمنه إذا أراد الرد بعد انخفاض سعر المعيب انخفاضا كثيرا لاسيما ونحن في زمن ارتبطت فيه المبيعات بالأسواق العالمية، وكثير نزول الأسعار في بعض السلع نزولا كثيرا مما يتطلب دراسة هذا الموضوع لإصدار حكم في هذا الشأن.
٢ـ تعويض صاحب السيارة التي تضررت من جراء حادث فبقيت مدة للإصلاح إذا كان الصادم متعمدا أو مخطأ ويتحمل نتيجة الحادث، لاسيما إذا كانت السيارة أجرة وتعطل صاحبها عن الاكتساب.
٣ـ النظر في كيفية تقدير الحكومة في الجنايات، في وقتنا الحاضر غير ما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى مما كان سائدا في زمانهم من تقدير المجني عليه كأنه رقيق فهذه الطريقة لا تناسب الآن فلا بد من دراسة هذا الموضوع والنظر في كيفية أخرى تناسب الحال، لاسيما أن ما ذكره الفقهاء ليس ثابتا بنص لا يجوز تجاوزه بل هو اجتهاد منهم رحمهم الله فليجتهد في بحث هذه الجزئية والنظر فيها من طلاب العلم والقضاة.
٤ـ دراسة حكم الجناية على أعضاء الإنسان الباطنية كالكبد والطحال والأمعاء أو الكلية أو إضعاف القلب والتأثير عليه ولا يخفى على أحد أهمية هذه الأعضاء وأنها جديرة بالعناية والبحث وذلك أني لم أجد ـ فيما أعلم ـ من تطرق إليها بالبحث والدراسة ولا ريب في أهمية دراسة هذه المسألة ليوقف عليها بحكم شرعي لاسيما مع كثرة الحوادث التي من شأنها التأثير على هذه الأعضاء وتقدم الطلب وكثرة المستشفيات التي تعالج المصاب في شيء من هذه الأعضاء ليبقى على قيد الحياة ـ بإذن الله تعالى ـ لكن مع تأثير بهذه الجناية.
٥ـ النظر في مدى مسؤولية الجاني عما يحدث للمجني عليه من التعطل عن الاكتساب وما يلزم لنفقات العلاج بسبب الجناية ودخولها في الأرش وقد حرصت غاية الحرص وبذلت جهدي في بحث هذه المسألة وسألت أهل العلم والاختصاص من القضاة والمشايخ وقرأت عنها وما كتب فيها وسطرت خلاصة رأيي فيها وما وجدته عن هذه المسألة المهمة ولا زلت أرى أنها بحاجة للخدمة والعناية سواء من القضاة أم الباحثين أم غيرهم لاسيما مع كثرة الحوادث المقعدة عن العمل وما يتطلبه العلاج في الداخل أو الخارج من المنفقات والمصاريف.
هذا ما ظهر لي من توصيات أحببت إبرازها للقراء عامة وللمشايخ خاصة ليدلوا بآرائهم ويعملوا أفكارهم لدراسة هذه المسائل بعناية، فهآنذا وضعت هذه المسائل أمامكم وأبديت فيها رأيي وما ظهر لي فيها أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجنبنا ما يسخطه ويأباه وأن يعفو عن سيئاتنا وزلاتنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده وخليله وأمينه على وحيه محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه والتابعين والحمد لله أولا وآخرا الذي بنعمته تتم الصالحات.