٦ - لم تقتصر آثار الشافعي الأصولية على أقواله التي اشتمل عليها كتاب الرسالة وإنما اشتملت كتبه الأخرى التي وصلت إلينا – وهي أحكام القرآن وجماع العلم والأم واختلاف الحديث وإبطال الاستحسان – على العديد من القضايا والمسائل الأصولية المهمة
٧ - كانت بداية معرفة المسلمين بعلم المنطق في عصر بني أمية لكن انتشاره الحقيقي كان في العصر العباسي وتحديدا في خلافة المأمون وقد أعجب بهذا العلم بعض من اطلع عليه من علماء المسلمين وكان له تأثير على علومهم ويأتي في مقدمة هؤلاء علماء الكلام لكن الثابت من سيرة الإمام الشافعي أنه لم يحفل بهذا العلم ولم يكن لانتشاره في عصره أي أثر في مؤلفاته الأصولية سواء من حيث المنهج أو الموضوع
٨ - شهد القرن الثالث ظهور عدد من أعلام الأصول – عدا الشافعي – ومن أبرزهم: الإمام أحمد وعيسى بن أبان والنظام وداود الظاهري وابنه أبو بكر وابن القاسم والقاشاني وغيرهم وقد صنف هؤلاء وغيرهم جملة من المصنفات في هذا العلم لم يصل إلينا شيء منها
٩ - كانت أبرز خصائص التأليف الأصولي في القرن الثالث كثرة المؤلفات في الموضوعات الجزئية وكون الهدف من أغلبها مناظرة الخصوم والرد عليهم واندماج الكتابة في الأصول مع الكتابة في الفقه في كثير من الأحيان وقلة الشروح والمختصرات
١٠ - تأثر الفكر الأصولي في هذا القرن بجملة من العوامل أهمها: ظهور الفرق الإسلامية المختلفة وتميز المذاهب الفقهية واستقلال كل منها بأصوله والنضج الفكري في كثير من العلوم الإسلامية وبخاصة علوم القرآن والسنة واللغة وانتشار علم المنطق وعناية بعض المسلمين به إضافة إلى الحالة السياسية والاجتماعية السائدة
١١ - شهد القرن الرابع ظهور عدد كبير من أعلام الأصول المتميزين ومن أبرزهم أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والكعبي وأبوالحسن الأشعري وأبو بكر الصيرفي والكرخي والقفال الكبير الشاشي وأبو عبد الله البصري وأبو بكر الجصاص وأبو بكر الباقلاني والقاضي عبد الجبار وقد خلف هؤلاء وغيرهم كما كبيرا من المصنفات في هذا العلم لم يصل إلينا منه إلا النزر اليسير
١٢ - برزت في هذا القرن طريقتان للتأليف الأصولي هما:
أ – طريقة المتكلمين التي تعنى بتقعيد القواعد اعتمادا على النظر والاستدلال ومن دون اعتبار مذهبي.
ب – طريقة الحنفية التي تعنى ببناء القواعد على الفروع الفقهية المنقولة عن أئمة المذهب.
وقد تميزت كل طريقة بخصائص معينة تخالف بها الطريقة الأخرى وصنف على كل واحدة جملة من المصنفات.
١٣ - شهد علم الأصول في هذا القرن نموا وتطورا شمل كافة جوانبه وتبرز مظاهر هذا التطور بشكل واضح في جوانب التأليف والموضوعات والحدود والاصطلاحات والمنهج والأسلوب
١٤ - تأثر الفكر الأصولي في القرن الرابع بعوامل عدة أهمها: انتشار المذاهب الفقهية وسد باب الاجتهاد وركون الناس إلى التقليد وشيوع التعصب وكثرة المناظرات وظهور علم الجدل وانتشار علم المنطق إضافة إلى الحالة السياسية والاجتماعية السائدة
١٥ - ظهرت في هذا القرن بعض العلوم ذات العلاقة بعلم أصول الفقه وأهمها علم القواعد الفقهية وعلم الخلاف وعلم آداب المفتي والمستفتي وصنف في هذه العلوم عدة مصنفات لم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير
١٦ - لم تكن الآثار الأصولية في هذا القرن محصورة في كتب الأصول والمؤلفات ذات العلاقة به بل جرى بحث كثر من القضايا والمسائل الأصولية في ثنايا الكتب المصنفة في العلوم الإسلامية الأخرى وبخاصة كتب علم الكلام والتفسير والحديث والفقه
١٧ - أبرز ما وصل إلينا من مؤلفات الأصوليين في هذا القرن أصول الكرخي وأصول الشاشي وأصول الجصاص وأصول الفتيا للخشني ومقدمة ابن القصار وتهذيب الأجوبة لابن حامد والتقريب والإرشاد للباقلاني والعمد للقاضي عبد الجبار وقد تميز كل واحد من هذه الكتب عن غيره بجملة من الخصائص في منهجه وموضوعه تقدم بيان أهمها في ثنايا الدراسات التحليلية لهذه الكتب
١٨ - يعتبر كتاب " الفصول للجصاص " نموذجا للتأليف الأصولي المتكامل على طريقة الحنفية كما يعتبر كتابا " التقريب والإرشاد للباقلاني " و" العمد للقاضي عبد الجبار " نموذجين للتأليف الأصولي المتكامل على طريقة المتكلمين
هذه إجمالا – أبرز النتائج التي خرجت بها من بحث هذا الموضوع وهي تؤكد ما سبق أن ذكرته في المقدمة من الأهمية البالغة وتظهر مدى الحاجة إلى هذا النوع من البحوث حيث لا يخفى على المهتمين بهذا العلم افتقار المكتبة الأصولية إلى الدراسات المتخصصة في تاريخه وعليه فأوصي بتكثيف الدراسات والبحوث التي تعنى بالجوانب التاريخية والمنهجية لعلم الأصول من القرن الخامس وإلى يومنا هذا
وفي الختام أبتهل إلى المولى جل شأنه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يغفر لي ما حصل فيه من الزلل والخطأ إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين