للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر كلام الشافعية تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما وحمل ذكر العبارة على الغلط.

قال الزركشي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما غلبت الإشارة ويحمل ذكر العبارة على الغلط، ووجه أن الإشارة هي الأصل في التعريف، إنما جعل الأسامي نائبة عنها في حالة الغيبة كما لو حلف لا يأكل من لحم هذه البقرة وأشار إلى سخلة، وأكل منها يحنث قطعا.

وقال: لو أشار إلى ابنته وقال: زوجتك هذه فلانة وسماها بغير اسمها، أو أشار إليها وقال زوجتك هذا الغلام فحكى الروياني عن الأصحاب الصحة تعويلا على الإشارة.

وقال أيضا: لو قال إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فأنت طالق فأعطته فبان مرويا فالأصح نفوذه تغليبا للإشارة، ولو قال: أنت طالق في هذا اليوم إذا جاء الغد وقع في اليوم تغليبا للإشارة، وكذا لو قال للحائض: أنت طالق في هذا الوقت للسنة، طلقت في ظاهر المذهب تغليبا للإشارة، قاله القاضي حسين، انتهي كلام الزركشي.

وقال السيوطي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة، واختلف موجبهما غلبت الإشارة، انتهى.

ثم ذكر أمثلة على ذلك منها: لو قال: زوجتك فلانة هذه، وسماها بغير اسمها صح قطعا، وحكى فيه وجه.

ولو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح تعويلا على الإشارة، انتهى.

وجاء في شرح المنهاج في الأيمان: ولو حلف لا يدخل دار زيد، أو لا يكلم عبده أو زوجته فباعهما، أو طلقها فدخل وكلم لم يحنث لزوال الملك بالبيع والطلاق، إلا أن يقول داره هذه، أو زوجته هذه، أو عبده هذا فيحنث تغليبا للإشارة، إلا أن يريد ما دام ملكه فلا يحنث، انتهى.

قلت: تغليب الإشارة على العبارة عند الشافعية يستثنى منه ما الملحوظ فيه اللفظ كالعقود، وذلك كما لو عقد على درهمين معينين فخرج أحدهما نحاسا له قمية، فالعقد باطل، لأنه بأن أنه غير ما عقد عليه، وقيل: إنه صحيح تغليبا للإشارة.

قال النووي في الإيمان: إذا قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فيحنث على الصحيح، لأنه عقد اليمين على عين تلك الدار، ووصفها بإضافة قد تزول، فغلب التعيين كما لو قال: لا أكلم زوجة زيد هذه، أو عبده هذا، فكلمهما بعد الطلاق والعتق يحنث، ولو قال: لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى شاة فإنه يحنث بأكل لحمها، فلا يجيء فيها الخلاف فيما لو قال: بعتك هذه البقرة، وهي شاة، لأن العقود يراعى فيها شروط وتعبدات لا يعتبر مثلها في الإيمان، انتهى.

قلت: مما تقدم يظهر لنا أن الشافعية يقولون إن الأصل هو تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا ما استثني، والله أعلم.

وظاهر كلام الحنابلة تغليب الإشارة فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة في الصداق: وإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل، أو عبد فلان هذا، وأشار إلى عبده صحت التسمية، ولها المشار إليه، لأن المعقود عليه يصح العقد عليه، فلا يختلف حكمه باختلاف صفته، كما لو قال: بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض، أو هذا الطويل وأشار إلى قصير، انتهى.

وقال في الطلاق: وإن أشار إلى عمرة فقال: يا حفصة أنت طالق، وأراد طلاق عمرة فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها، لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها، وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده، فأشبه ما لو أراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق، انتهى.

قلت: قد ذكر ابن قدامة أن عمرة قد طلقت تغليبا للإشارة مع أنها المنوية، أما لو أشار إلى عمرة ونوى حفصة فقد ذكر أنهما تطلقان معا حيث قال: وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بإشارته إليها، وإضافة الطلاق إليها، وحفصة بنيته، وبلفظه بها، وإن ظن أن المشار إليها حفصة طلقت حفصة، وفي عمرة روايتان كالتي قبلها، انتهى.

قلت: يظهر مما تقدم أن جمهور أئمة المذاهب يرون تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا أن لبعضهم خلاف في بعض التفاصيل سبق بيانها، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>