للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - إذا أفسد النائب أو الأجير الحج بالجماع، فإن الحج يفسد، ويقع عنه وينقلب إليه؛ لأن الحج الفاسد لا يجزئ عن المحجوج عنه، فينقلب إليه، ويمضي في حجه الفاسد؛ لأن فساد الحج يوجب المضي فيه، ويوجب عليه الدم، كسائر دماء الجنايات؛ ولأنه لم يؤذن له في الجناية، فكان موجبه عليه، ويقضي الحج الفاسد؛ لأن من أفسد حجه يلزمه قضاؤه، ويقع القضاء عن نفسه؛ لأنه لما خالف صار كأن الإحرام الأول عن نفسه؛ ولأن الأداء الفاسد وقع عنه، فكذا القضاء، ويضمن النفقة؛ لمخالفته، إذ أنه مأمور بانفاق المال على حجة صحيحة، أو يرد الأجرة؛ لأن الحجة لم تجزئ عن المستأجر لتفريطه وجنايته.

١٥ - إذا مات النائب أو الأجير، فله من الأجرة بمقدار عمله؛ لأن الأجرة مقسطة على أعمال الحج، كما لو استؤجر على بناء حائط، فمات بعد عمل بعضه، فله بمقدار عمله وكذا الحج، ولا يضمن ما أنفقه على نفسه؛ لأنه لم تقع منه مخالفة؛ ولأنه اتفاق بإذن صاحب المال.

ويجوز البناء على عمل النائب أو الأجير الذي مات، ولا يجب استئناف الحج مرة أخرى، تيسيرا على المستأجر برفع الحرج عنه بإيجاب استئناف الحج مرة أخرى، وفي ذلك زيادة النفقة أو الأجرة عليه مرة أخرى، وقياسا على الاستخلاف في الإمامة بجامع أن كلا منهما عبادة.

يجوز الاستئجار على الأذان والإمامة، وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية النافعة من فقه وحديث ونحوهما، عند الحاجة والضرورة، وأن ما يؤخذ من أجرة مقابل ذلك، تكون في مقابل ملازمة المكان المعين، والقيام على المسجد، والاحتباس، والجلوس للتعليم، والانشغال عن الكسب.

يجوز الاستئجار على تجهيز الميت بمعنى غسله وتكفينه، وحمله، ودفنه، دون الصلاة عليه، إذا كان تجهيزه فرض كفاية، ولا يجوز الاستئجار على التجهيز إذا تعين، بأن تعذر تحصيل نفقات تجهيزه أو لم يوجد غيره للقيام بالتجهيز، لتعين ذلك في حقه، قياسا على عدم جواز الاستئجار على فرض العين.

لا يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم مقابل إهداء ثواب قراءته إلى الميت مطلقا؛ للأدلة النقلية الصريحة والصحيحة في منع ذلك، ولم يعرف السلف الصالح ذلك، فهو من البدع؛ ولأنه ينافي الإخلاص، ولا ينفعه ثواب القراءة بأجرة، وما يرافق القراءة عند الاجتماع للعزاء من منكرات.

يجوز للقاضي أخذ الرزق من بيت المال مطلقا، فإن تعذر إرزاقه منه، فله أخذ الرزق من أعيان الخصوم إن كان فقيرا، ومحتاجا، ويشغله القضاء عن الكسب، وبالشروط الثمانية التي اشترطها الإمام الماوردي – رحمه الله تعالى – للضرورة والحاجة، فإن تعذر إرزاقه من الخصوم، فله أخذ الأجرة من الخصوم حينئذ، بشرط أخذها قبل القضاء، وبالتساوي بينهما؛ لأن منعه من أخذ الأجرة حينئذ، يؤدي إلى ضياع، وتعطل الحقوق، وانتشار الظلم، والفساد، مما يلحق بعموم المسلمين الحرج والضيق.

يجوز للمفتي أخذ الأجرة إذا تعذر إرزاقه من بيت مال المسلمين، أو أهل البلد عند الحاجة والضرورة إذا كان التفرغ للفتيا يشغله عن جل تكسبه، فيأخذ بقدر ضرورته، إذ الأجرة هنا تكون مقابل احتباسه واحتياجه إلى المال؛ للإنفاق على نفسه وعياله.

ويجوز أخذ الأجرة على كتابة الفتيا، إذا كان في كتابتها كلفة ومشقة عليه، بحيث تستغرق وقته، وتشغله عن جل تكسبه.

٢١ – لا يجوز أخذ الأجرة على الشهادة تحملا أو أداء مطلقا؛ لما ذكر من أدلة نقلية؛ وليكون التحمل أو الأداء خالصا لوجه الله تعالى، إلا إذا شغله الأداء عن وقت كسبه، فله أخذ الأجرة على الأداء عند بعض المالكية وإن تعين عليه، أو أخذ الأجرة بمقدار مدة الأداء، لا بقدر كسبه عند الشافعية، بخلاف نفقة الطريق وأجرة الركوب، فيجوز له أخذها إذا كان في ذلك كلفة ومشقة عليه.

٢٢ – لا يجوز الاستئجار على الجهاد، إذ لا ضرورة لأخذ الأجرة عليه، فإن كان محتاجا، فله أخذ الجعل عليه للتقوي، أو يأخذ من مصرف الزكاة على سبيل الإعانة، لا على سبيل الإجارة عليه.

إلا إذا كانت هناك حاجة ومصلحة داعية إلى الاستئجار عليه، فيجوز الاستئجار حينئذ للإمام المسلم فقط دون آحاد الناس.

وآخر دعوانا أن الحمد لله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>