٥ - أن الحكم بوجود عموم البلوى منضبط بوقوع أحد أسبابه العامة أو الخاصة، وهذه الأسباب يرجع تقديرها في الغالب إلى نص من الشارع من خلال الوقائع التي تعم بها البلوى، فإن لم يكن هناك نص فإنه يرجع في تقدير ذلك إلى العرف ومعتاد الناس، أو إلى تقريب المشقة الحاصلة في الحادثة التي تعم بها البلوى، وذلك بموازنتها بالمشاق المشابهة لها فيما اعتبره الشارع في جنسها، وهذا إنما هو في الغالب؛ إذ إن هناك بعض الأسباب التي يرجع تقدير مشقة عموم البلوى فيها إلى أمر خاص، كتقدير المكلف واجتهاده كما في الضرورة وكبر السن والمرض الذي لا يرجى برؤه، وفي حال المطر والثلج والوحل، أو بالاعتماد على قول أهل الخبرة كالأطباء، كما في حال كبر السن والمرض الذي لا يرجى برؤه.
٦ - أن بحث الأصوليين لعموم البلوى في بعض المسائل قد جاء بحسب طبيعة بحثه عند الفقهاء في الغالب، وهو كون عموم البلوى يمثل سبباً في التيسير، وذلك كما في صلة عموم البلوى بالقياس، والاستحسان، وسد الذرائع، مما يدل على شمول نظر الأصوليين لهذا الموضوع عند بحثهم له.
٧ - أن عموم البلوى يعتبر أكثر أسباب التيسير مساساً للتفريع الفقهي، وأثره لا يقتصر على قسم معين من أقسام الفقه دون غيره، بل هو في الغالب شامل لمجموع أقسام الفقه، وإن كان التصريح بالتعليل به قد كثر فيما يتعلق بأمور العبادات، خاصة فيما يتعلق بالطهارة وإزالة النجاسة، على أن التأمل في الفروع الفقهية يتضح منه شمول أثره لغير ذلك، ويتقرر هذا عند النظر في الفروع الفقهية التي جاء إيرادها في هذا البحث.
٨ - أن عموم البلوى يعتبر أحد الأمور التي يتم بها ضبط المشقة؛ إذ إن المشاق منها ما هو منضبط بأسباب معينة، وعموم البلوى يعتبر سبباً في التيسير باعتباره مظنة للمشقة، وإذا كان عموم البلوى منضبطاً بوقوع أحد أسبابه فالسعي في ضبطه حينئذ سعي في ضبط المشقة بصورة أعم.
٩ - أن اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير قد قامت عليه أدلة كثيرة من تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصرفات الصحابة والتابعين رضي الله عنهم تفيد كلها القطع باعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير.
١٠ - أن اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير مقيد بشروط يلزم مراعاتها؛ ليتحقق ذلك الاعتبار، وفقد شرط منها مؤثر في إنعدام ذلك الاعتبار، ولذا ينبغي لمن أراد الترخص اعتبارا لعموم البلوى مراعاة هذه الشروط.
١١ - أن التكليف في حال عموم البلوى يعتبر من قبيل الضرر، ولذلك تلزم إزالته تبعاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، أو (الضرر يزال).
وإزالة الضرر هنا مقيدة بشرط ينبغي أن يراعى، وهذه الإزالة تتمثل في القول بعدم التكليف في حال عموم البلوى.
١٢ - أن عموم البلوى يعتبر من أسباب نشوء العادة والعرف، ولذا فإن العمل بما تعم به البلوى يحكم باعتباره من قبيل العادة المحكمة، وهذا التحكيم مقيد بشروط معينة.
١٣ - أن عموم البلوى كما يلاحظ من خلال التفريع الفقهي يعتبر من أعظم أسباب تغير الأحكام والفتاوى، وذلك بناء على اختلاف العمل بما تعم به البلوى باختلاف الأحوال، إلا أن هذا الاعتبار ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل سبق بيانه.
١٤ - كثرة تطبيقات عموم البلوى في هذا العصر، ودخوله في تعليل أحكام كثير من الوقائع تصريحاً أو ضمناً مما يؤكد أهمية هذا الموضوع.