وأضيف هنا أنه لعل هذا المسلك القانوني في التركيز على العلاقة بين المؤمن والمؤمن له منفرداً في عقد معاوضة من الأسباب الرئيسة في تسميته بالتأمين التجاري إذ يكون الربح هو الهدف الوحيد والأول والأخير من عمليات التأمين. ولهذا تنص قوانين التجارة على أن التأمين بأنواعه من الأعمال التجارية فضلاً عما تجيزه قوانين التجارة من اقتضاء الفائدة ابتداء وانتهاء، ابتداء عند الاتفاق وانتهاء عند التأخير في الوفاء. ويظل هذا التفاوت في النظر إلى التأمين كفكرة تقوم على مجموعة من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية وكعقد ينظم علاقة بين طرفين هو المسؤول إلى حد كبير عن اختلاف الآراء والاتجاهات الفقهية في التأمين مما جعلنا نعرض لمعتصر من الآراء والاتجاهات الفقهية في التأمين التجاري بأدلتها مع مناقشة هذه الأدلة والمتتبع لهذه الأدلة يجد أن جانباً جوهرياً منها اعتمد في المحاججة على التأمين كفكرة مثلما قيل بأن عقد التأمين ليس من عقود المعاوضة المالية التجارية وإنما هي عقود تعاونية.
ومما هو مقرر بل محل اتفاق أن عقود التأمين التي تبرمها شركات التأمين عقود معاوضات مالية كما يثبته قصد المتعاقدين في نصوص العقد.
ومثلما قيل بأن الربا ليس في التأمين كنظام قانوني وإنما فيما تقوم به شركات التأمين من أعمال وعقود أخرى غير مشروعة.
ومما هو مقرر لدى المتخصصين والممارسين أن الفائدة الربوية متضمنة دائماً في جوهر عقد التأمين لا يخلو منها وهي جزء من طبيعة العقد وحقيقته القانونية إذ إن سعر الفائدة أحد أربعة عناصر أساسية يتحدد على أساسها القسط الصافي وهي: الخطر، ومبلغ التأمين، ومدة التأمين، وسعر الفائدة. فالمادة ٧٧٣ مدني كويتي تنص على أن:"التأمين عقد يلتزم المؤمن" بمقتضاه بأن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد مبلغاً من المال في نظير مقابل نقدي يؤديه المؤمن له للمؤمن". ومثلما قيل إن التأمين التجاري يحقق المصلحة وهي من مقاصد الشريعة فيكون جائزاً شرعاً ولكنها مصلحة لم تشهد لها الشريعة بالاعتبار فكانت ملغاة، ولذلك كان طبيعياً أن تصدر قرارات المجامع الفقهية الإسلامية بعدم جواز التأمين التجاري وحرمته وبجواز التأمين التعاوني وأنه البديل الشرعي الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي وأنه مرغوب فيه لأنه:
أولاً: من قبيل التعاون على البر القائم على التبرع لا المعاوضة المالية بين قسط التأمين ومبلغ التأمين:
فالتأمين التعاوني يحقق مصالح من طبيعة واحدة وليست مصالح متقابلة أو متعارضة كما هو الشأن في المعاوضات التي تبني على المشاحة والمكايسة، وما لنا ألا نؤمن بالأساس الذي يقوم عليه التأمين التعاوني وقد اتفق الفقهاء على أن نظرية التبرع لا يحكمها حكم تكليفي واحد وإنما التبرع تعتريه الأحكام الخمسة (الموسوعة الفقهية الكويتية ١٠/ ٦٦) والمالكية يرون أن كل التزام فردي بهبة أو صدقة أو جنس أو جائزة على وجه البر وما أشبه ذلك من وجوه المعروف لازم لصاحبه لا يقبل منه الرجوع عنه بل نقل ابن رشد الاتفاق على لزوم الهبة بالقول وإن كان الملتزم له غير معين (دل على ذلك ما جاء في تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ج١، البهجة شرح التحفة ج٢، والخرشي ج٥، والزرقاني على خليل ج٥، وحاشية الدسوقي ج٤) ويترتب على هذا الأساس المكين في التأمين التعاوني أمران جوهريان هما:
أ- انعدام الربا بنوعيه فيه.
ب- تملك هيئة المشتركين في مجموعهم لأقساط التأمين المتبرع بها ومن ثم: