وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم حجة الوداع: ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم لن تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيل، ألا إن لكم إلى نسائكم هذا ولنسائكم عليكم حقاً فلكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن).
نتبين من هذه النصوص مشروعية المعاشرة بين الزوجين بالمعروف وأن لكل زوج على زوجه حقاً فعلى المرأة أن تقوم بالحقوق التي تناسبها وكذلك على الزوج أن يقوم بالحقوق التي تناسبه.
ومن هذه الحقوق أيضاً ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوجين فيحرم على الزوج نكاح أم زوجته وإن علت وبنتها كذلك يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وأختها وعمتها وبين المرأة وخالتها ويحرم عليها هي نكاح أبي الزوج وابنه وإن نزل.
هذه بعض الحقوق المشتركة التي تثبت لكل من الزوجين على الآخر بعقد الزواج وليس المقصود حصر جميع الحقوق التي من هذا النوع وإنما المراد بيان جنسها.
فصل:
وملاك الحقوق الزوجية والقيام بها الإيمان بالله وتتبع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من أقوال وأفعال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في حسن الأخلاق وخاصة ما يتعلق بالمعاملات الزوجية عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وعنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: (فسابقته على رجلي فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني. قال هذه بتلك السبقة). رواه أبو داود وهذا منه صلى الله عليه وسلم يدل على عظيم خلقه وتواضعه وهو القدوة لأمته {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
السنة الثابتة مستفيضة ببيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من حسن المعاشرة الزوجية. فما عرف أنه ضرب امرأة ولا عبداً بل حذر من ذلك أشد التحذير وهذا يوجب على كل مسلم أن يقتدي برسول الله عليه الصلاة والسلام فيما كل ما من شأنه الاقتداء به.
مراتب الحقوق الزوجية:
وما يتعامل به الزوجان واجب ومندوب كالمعاشرة الزوجية مثلا فإن منها الواجب والمندوب.
والواجب في حد ذاته مراتب متفاوتة فبعض الواجبات آكد من بعض وألزم فتأمين النفقة الضرورية مثلا يختلف في وجوبه عن تأمين نفقة الكفاية. وكذلك المندوب مراتب يختلف بعضها عن بعض وهذا بين يتضح من استقراء الأوامر الشرعية في الحقوق الزوجية وغيرها.
فصل:
وما نهى أن يتعامل به الزوجان محرم ومكروه. والمحرم مراتب بعضها أشد من بعض فمنها ما يستوجب التأثيم مع العقوبة في الدنيا ومنها ما يستوجب التأثيم فقط والمكروه مراتب كذلك فمنه ما يستحق فاعله اللوم والعتاب ومنها ما يستحق لوماً دون ذلك فالإصرار على فعل المكروه والاستمرار عليه قد يصل إلى درجة التحريم فالذي يتخذ بذاءة اللسان خلقا له مع زوجته مع علمه بالنهي عن ذلك، فليس كمن تحصل منه البذاءة على فترات مختلفة.
وبعد فهذا ما تيسر لي كتابته فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.