٦ - المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في شأن ظروف التشديد والتخفيف يجب أن تتم بحذر كبير، بل كل مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي يجب أن تتم بهذا الحذر، فكثير من المقارنات في هذا المجال غير دقيقة، وكثيرا ما تؤدي إلى استنتاجات وأحكام غير سليمة، وكثيرا ما تؤدي هذه المقارنات إلى سوء فهم للفقه الإسلامي، وإلى رميه أحيانا بالعجز ولو عن غير قصد، وسبب ذلك: إخضاعه لمصطلحات قانونية محدثة متغيرة، ولذلك فليس من الإنصاف أن نحاول صبغ الفقة الإسلامي بصبغة القانون الوضعي وإلباسه مصطلحاته، وليس من الإنصاف أن نضع أمامنا المصطلحات القانونية ثم نحاول البحث والتنقيب عن هذه المصطلحات نفسها في الفقه الإسلامي.
٧ - القانون الوضعي لا يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير، بل لا يعرف هذا التقسيم للجرائم، ولذلك فجميع الجرائم عنده تدخل فيها ظروف التشديد والتخفيف، خلاف للفقه الإسلامي الذي يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير.
فالمجال الواسع لظروف التشديد والتخفيف في الفقه الإسلامي هو مجال العقوبات التعزيرية، لأنه هو المجال الذي يستطيع القاضي بما له من سلطة تقديرية أن يشدد العقوبة فيه أو يخففها، أما الحدود والقصاص فإن التخفيف والتشديد فيهما موكول إلى الشارع وسلطة القاضي فيها محصورة في عرض الجريمة على النصوص وفي تطبيقها عليها.
٨ - القصد الجنائي في الفقه الإسلامي قصد واحد، أما القانون فيجعل القصد قصدين: قصدا بسيطا، وقصدا موصوفا بأنه المقترن بسبق الإصرار أو الترصد، وهذا التنويع تنتج عنه مخالفات واضحة للفقه الإسلامي، ولذلك اعتبرناه تنويعا باطلا من وجهة نظر الفقه الإسلامي، رغم أن بعض الباحثين، حاولوا تأييد وجوده في الفقه الإسلامي، وهذه المحاولة ما هي إلا إخضاع للفقه الإسلامي لمصطلحات القانون الوضعي، وهو الأمر الذي حذرنا منه.
وهذه هي أهم نتائج هذا البحث، وأرجو أن يكون خطوة أولى على درب البحث العلمي الدقيق الذي آمل أن أسير فيه موقفاً محفوظا من الزلل والهوى.
والله أسأل أن يتقبل منا هذا العمل، وأن يوفقنا لمزيد من الأعمال الصالحة، وأن يرزقنا الإخلاص في كل ذلك لوجهه الكريم.