٢٦ـ الذين اعتبروا العمل بالاحتياط لم يقولوا بحجيته مطلقاً، وإنما جعلوا له شروطاً لا يتحقق إلا بوجودها. وعند العمل بتلك الشروط يتقارب كثيراً القول بحجية العلم بالاحتياط مع مذهب المانعين منه، ومن هذه الشروط أن لا يكون في المسألة نص من الكتاب أو السنة، وأن لا يوقع العمل بالاحتياط المستحب الناس في الحرج والمشقة، وأن لا يكون مأموراً بفعل غيره، وأن لا يخالف العمل بالاحتياط موضع الرخصة، وأن لا يكون العمل بالاحتياط قد انبنى على أصل غير صحيح، وأن لا يكون العمل بالاحتياط في مسألة من مسائل الاعتقاد، وأن لا يؤدي العمل بالاحتياط إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة، أو اقتحام مكروه، وأن لا يكون الاحتياط مبنياً على شبهة غير مقطوع بها، وأن يحقق الاحتياط المقصود من وجوده، وهو العلم بإتيان الواجب، وأن يراعى عند الاحتياط مصلحة الأعلى فالأعلى، وأن لا يكون للأمر الوارد عليه العمل بالاحتياط أصل من الحل أو الحرمة يرجع إليه، وأن لا يصل العمل بالاحتياط إلى حدّ المبالغة والتنطع.
٢٧ـ لقاعدة العمل بالاحتياط مدخل عريض في كثير من أبواب الفقه وأحكامه، ولها ارتباط واسع بكثير من الأصول والقواعد الفقهية. فيندرج تحت قاعدة العمل بالاحتياط قواعد أصولية وأخرى فقهية. ومن هذه القواعد المندرجة تحت قاعدة العمل بالاحتياط قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقاعدة ما لا يتمّ ترك الحرام إلا به فهو واجب، وقاعدة سدّ الذرائع، والقاعدة الفقهية إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، وقاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب، وأما الانتقال من الإباحة إلى الحرمة فيكفي فيها أيسر الأسباب، وقاعدة أن نجعل المعدوم كالموجود، والموهوم كالمحقق، وما يرى على بعض الوجوه لا يرى إلا على كلها.
٢٨ـ يتعارض مع قاعدة العمل بالاحتياط قواعد أصولية وأخرى فقهية، ومن هذه القواعد المتعارضة قاعدة رفع الحرج، وقاعدة الاستصحاب، وقاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وقاعدة القول بأقل ما قيل، والقاعدة الفقهية الأصل براءة الذمة، والحرام لا يحرم الحلال، والمشقة تجلب التيسير.
٢٩ـ من أوجه الترجيح بين النصوص عند تعارض بعضها مع بعض، أن يُرجَّح أحد النصين على الآخر من حيث أحوال الرواة، أو من حيث المتن، أو من حيث الحكم، وهذه الأوجه يدخل الاحتياط فيها كأحد المرجحات التي يذكرها الأصوليون. فيدخل الترجيح من حيث الرواة من طريقين، الطريق الأول: أن يكون أحد الراويين أشد احتياطاً وتحرياً فيما يروي من الراوي الآخر, والطريق الثاني: أن يكون أحد الراويين أشدّ احتياطاً وأكثر ورعاً من الراوي الآخر.
ومن حيث المتن يدخل الاحتياط كمرجح من حيث كون متن أحد الخبرين يتضمن احتياطاً، والخبر الآخر لا يتضمنه، فإن الفقهاء يُقدّمون الخبر المتضمن للاحتياط على الذي ليس كذلك.
ومن حيث الحكم الذي تضمنه النص يدخل الاحتياط كمرجح من حيث كون حكم أحد النصين المتعارضين أحوط من الآخر، أو أقرب إلى الاحتياط منه، فإنه في هذه الحال يرجّح ذلك الخبر على معارضه الذي ليس كذلك.
ويندرج تحت قاعدة الترجيح بكون حكم أحد النصين أحوط من الآخر الصور التالية: ترجيح الخبر المفيد للحظر على الخبر المفيد للكراهة، وترجيح الدليل المفيد للحرمة عل الدليل المفيد للإباحة، وترجيح الخبر المحرِّم على الخبر المفيد للندب، وترجيح الخبر المحرِّم على الخبر المفيد للإيجاب، وترجيح الخبر المفيد للوجوب على الخبر المفيد للندب.
٣٠ـ هناك مسائل فقهية انبنى الخلاف فيها على الخلاف بالعمل بالاحتياط، وإن كان المختلفون يقولون بحجية الاحتياط في الجملة. وهذه التطبيقات يتبيّن من خلالها أثر قاعدة العمل بالاحتياط في الفقه، فهي تحتلّ جزءاً كبيراً من الفقه، فقلما تجد باباً من أبواب الفقه إلا وللقاعدة أثر عليه، وذلك يعني أهمية هذه القاعدة.