بعد هذه النتائج، أوصي الباحثين بالاهتمام بمباحث النجاسات عموما، ومباحث استعمالها وبيعها خصوصا، فإنها جديرة بالبحث أكثر مما ذكرته فيها، وهي غنية بالمادة العلمية. وذلك لارتباطها بمباحث المحرمات، وهي عامة تشمل ما كان طاهرا ونجسا، وأنا إنما اقتصرت على ما يتعلق منها بالنجاسات في الجملة، لأن العلماء رحمهم الله تعالى لم يتفقوا على الأعيان النجسة والمتنجسة حتى يكون ما ذكرته من أحكام تشمل جميع النجاسات، ولعل من ذلك مثلا الخنزير، فإنه طاهر في الحياة عند المالكية (وهو ما رجحته) والحنفية يرون طهارة كل جلد إذا دبغ ما لم يكن جلد حيوان نجس في الحياة كالخنزير عندهم، فإنه حينئذ لو طبقت قاعدة أنه لا يطهر إلا جلد ما كان طاهرا في الحياة لقيل بأن جلد الخنزير يطهر إذا دبغ ويجوز استعماله، لأن الآية إنما جاءت في تحريم أكله، كما سبق في القول بجواز الانتفاع بما يمكن تطهيره، من النجاسات والمتنجسات، وجلد الخنزير قد أمكن تطهيره، وكذلك الكلب في حكم بيعه فإنه على قول الحنفية بجواز بيع ما يمكن الانتفاع به، يدخل فيه حكم بيع كلب الحراسة، والصيد، ونحوهما. ومعلوم كلام أهل العلم فيه، ولذا أمثاله لم أستطع التوسع في فرعيات استعمال النجاسات لأنها تطول جدا، لاختلاف العلماء في أعيان النجاسات واختلافهم في بيع المحرمات واستعمالها.
وختاما أسأل الله تعالى أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا آخرها، وخير أيامنا يوم لقائه. كما أسأله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها، وعزتها، وحياتها العلمية السابقة، التي سار فيها سلفنا الصالح بالبحث، والتحقيق، وإخلاص النية، والعمل بما علم، وسلامة الصدر، واحترام آراء الآخرين، والتيسير على المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم إلا فيما لا يمكن التيسير فيه لقطعية الدليل، أو سداً لذريعة تؤول بالفساد. كما أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ومحبي. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن أحبهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين ..