٧ - وبعد عرض آراء العلماء في مشروعية النقود الورقية تبين أنها ليست بسندات دين، ولا عرضا من عروض التجارة، وأنها تغاير الفلوس النحاسية، وأنها غير متفرعة من الذهب أو الفضة، بل هي نقد قائم بذاته اكتسب ثمنيته من ثقة الناس بالتعامل به، ومن قوة الدولة المصدرة له، اعتمادا على أن مرد النقود إلى العرف والاصطلاح.
٨ - واستنادا إلى مشروعية النقود الورقية، فإنه يجوز أن تُبادل بالسلع والخدمات، وأن تبادل بمثلها أو بغيرها من الأثمان، وأن تكون أحد عناصر الإنتاج في عملية الاستثمار.
فأما تبادل السلع بالنقود الورقية فإنه يقع ضمن ثلاثة أشكال:
أ -وجود المبيع مع تقديم النقود الورقية أو تأجيلها، وهذا هو عقد البيع.
ب -تأجيل تسليم المبيع – لعدم وجوده – مع اشتراط تقديم النقود الورقية، وهذا هو عقد السلم.
جـ - تأجيل تسليم المبيع - لعدم وجوده أيضا – مع جواز تقديم النقود الورقية أو تأخيرها، وهذا هو عقد الاستصناع.
وأما مبادلة المنافع بالنقود الورقية، فإنه يكون بعقد الإجارة والإيجار، وبعقد الجعالة وهو الوعد بالجائزة.
وأما مبادلة الأثمان – والنقود الورقية منها – بمثلها حالا، فقد تبين أن نقود كل دولة جنس واحد تحته أنواع، وأن عملات الدول المختلفة أجناس مختلفة، وبالتالي فإنه:
أ -يجب التماثل والتقابض في حال اتحاد الجنس.
ب -يجب التقابض ولا يشترط التماثل في حال اختلال الجنس.
وأما في مبادلة النقود الورقية بمثلها أو بغيرها من الأثمان آجلا، وهو القرض فإنها ترد بمثلها، وإن أي زيادة أو نقصان يعد ربا، كما أن:
-الإيداع في المصارف التي تعطي فوائد على الودائع،
-والإيداع في صندوق توفير البريد،
-وشراء شهادات الاستثمار،
يعد من القروض غير المشروعة، لعدم تحقق شرط رد النقود كما هي دون زيادة أو نقصان.
واتضح من خلال بيان جواز الاستثمار أن النقود الورقية قادرة على أن تكون رأس المال في الشركات، وذلك جائز شرعا، وقد أوضحت أن شركة المضاربة هي البديل عن المصارف الربوية في عميلة الإقراض، وهي التي تنقل المصارف من التعامل بالحرام إلى التعامل بالحلال.
٩ - وفي بيان كيفية تقدير الأجور والنفقات، توصلت إلى أن من الواجب ربطها بقائمة الأسعار، إنصافا للعامل والمنفق عليه، وتقليلا من المشاكل والاضطرابات والمرافعات للقضاء.
أما في بيان كيفية تقدير الديون، فقد اتضح أن ربطها بقائمة الأسعار لا يجوز، وأن من الخطأ استخدام سعر الفائدة تعويضا عن انخفاض قيمة النقود، لأن من الواجب في الديون أن ترد بمثلها عددا وإن اختلفت القيمة.
وأشرت إلى جواز ربط الديون بسلعة ما عند إنشاء العقد، أما بعد ذلك فلا.
هذه هي أهم نتائج البحث، أما على صعيد التوصيات، فإني أوصي بما يلي:
١ - ضرورة تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي في كلية الدعوة الإسلامية وفي كل كليات الشريعة والاقتصاد والحقوق، وذلك لما لها من أهمية في حياة الداعية لمعرفة بيئته، وتعريف المسلمين بنظام الإسلام المتكامل.
٢ - ضرورة إقامة ندوة عالمية لمناقشة الفوضى النقدية، والخروج بمشروع نظام نقدي جديد يحقق الرفاء والازدهار، وهذه الندوة المقترحة مطلوبة من المنظمات الإسلامية لتقديم تصور عن نظام الإسلام الاقتصادي وشرحه للعالم من أجل اعتماده.
وأشير أخيرا إلى أن المسلمين لو عرفوا إسلامهم حق المعرفة، وطبقوا دينهم حق التطبيق لتحققت لهم سعادة الدنيا، وسيادة العالم، فلا يوجد تشريع شمولي كتشريع الإسلام، ولا يوجد نظام متكامل كنظام الإسلام، إذ إنه قد أرسى القواعد الكلية لكل شؤون الحياة، وأهاب بالناس أن يدركوها ويترجموها سلوكا في واقع معاشهم ودنياهم. يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ} [المائدة:٣].
هذا ما وفقني الله إليه من إبراز جانب من جوانب الاقتصاد الإسلامي، فإن كان ما توصلت إليه صوابا فذلك بفضل الله، وإن كان خطأ فأستغفر الله منه.
والله أسأل أن يوفقني لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يجعل عملي ذخرا لي ولوالدي يوم الدين.
{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧].
طرابلس
١ محرم الحرام ١٤١٤هـ
٢١ حزيران ١٩٩٣م