فيا من تقبلون على (لعب الورق)! هذا هو حرص سلفكم الصالح على الوقت، فقدروا قيمته وخطره، فإن فعلكم هذا وهدركم لأنفس ما تملكون يمزق الكبد أسى وأسفاً، وتذكروا أن السفه في إنفاق الأوقات أشد خطراً من السفه في إنفاق الأموال، فإن المال إذا ضاع قد يعوض، والوقت إذا ضاع لا عوض له.
واعلموا أن الفراغ نعمة عظيمة إن أحسنتم الاستفادة منها، وإليكم ما يدل على ذلك:
• أخرج البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان من نعم الله مغبون فيهم كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
• وأخرج الحاكم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".
• وقال بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في قياد الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه.
• فيا من تقضون أوقاتكم في اللهو والعبث! ألا تعلمون أنكم بفعلكم هذا تعملون على قتل أنفسكم؟! فإن قتل الوقت في الحقيقة قتل النفس، فهو جريمة انتحار بطيء ترتكب على مرأى ومسمع من الناس، ولا يعاقب أحد عليها! وكيف يعاقب عليها من لا يشعر بها، ولا يدري مدى خطرها؟!
واعلموا – رحمكم الله – أن الفراغ لا يبقى فراغاً أبدا، فلابد أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل، فهيا أيها اللاهون! ... أيها العابثون ... ! يا من تلعبون بـ (الورق) وغيره مما لا يجدي ... املؤوا أوقاتكم بالخير والصلاح ... في أداء الصلوات جماعة في بيوت الله ... في الإقبال على القرآن الكريم: تلاوة وحفظاً وتفسيراً ... في مدارسة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ... في الجثو على الركب بين يدي العلماء ورثة الأنبياء ... ناهلين عن علمهم ... مستفيدين من هديهم وسمتهم ... وحينها فقط، إن فعلتم ذلك ... هنؤت لكم توبتكم ... وطوبى لكم ... وإلا فالويل عليكم ... والضلال مصيركم ... وابحثوا – إن استطعتم – عمن تبيعون له أوقاتكم ... فإنكم عناصر خمول وكسل ... ومعاول ... ولا فائدة من أوقاتكم ... ورحم الله جمال الدين القاسمي، فإنه لما كان يمر بـ (المقاهي) ويرى (لاعبي الورق) وغيرهم، كان رحمه الله تعالى يقول:"يا ليت الوقت يباع فأشتريه منهم".
وأقول لكم ... أخيراً ... أيها العابثون! يا ليت أوقاتكم تباع، فيشتريها منكم الدعاة وطلبة العلم والمصلحون ... وحينها لأرحتمونا من رقم هذه الكلمات والسطور ... ولا حول ولا قوة إلا بالله ... نسأل الله لنا ولكم الهداية إلى سواء السبيل ... وفقنا الله وإياكم لفعل الطاعات ... وترك المنكرات ... وحب المساكين ... وجعلنا وإياكم مفاتيح خير ... مغاليق شر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.