رابعا: أن كلا من التأمين التعاوني والتأمين الاجتماعي يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، فهذان النوعان من التأمين يقومان على قصد التعاون والتضامن والتبرع، دون الرغبة في استثمار الأموال، وطلب الربح، فيعدان تطبيقا سليما لنظرية التأمين في رأينا، لأنهما "ليسا إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم، تعاون الجميع على مواجهته، بتضحية قليلة يبذلها كل منهم، يتلافون بها أضرارا جسيمة تحيق بمن نزل به الخطر منهم، لولا هذا التعاون".
خامسا: أن التأمين بقسط ثابت، وهو الذي تقوم به شركات التأمين، لا يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، لأن العقود التي تبرمها هذه الشركات معاوضات مالية دخلها الغرر والقمار والربا وعقود المعاوضات إذا دخلتها هذه الأمور بطلت. ولقد بذلت محاولات كثيرة من بعض الباحثين لنفي هذه الحقيقة، تارة بإدخال التأمين في عقود التبرع، واعتباره تعاونا بين المستأمنين الذين يتعاملون مع شركة تأمين معينة، بدعوى أن هذا العقد ينشئ علاقة بين طائفة المستأمنين أساسها التعاون والتضامن ويكون دور شركة التأمين في هذا التعاون دور النائب والوسيط الذي ينظم تعاونهم، وتارة أخرى ينفي الغرر في جانب شركة التأمين بدعوى أن عقد التأمين ينشئ علاقة بين شركة التأمين ومجموع المؤمن لهم، وأن هذه الشركة تستطيع بواسطة حساب الاحتمالات وقانون الكثرة وقواعد الإحصاء، أن تحدد على وجه يقرب من الدقة مقدار ما تعطي لمجموع المؤمن لهم وما تأخذ منهم، وتارة ثالثة بدعوى انتفاء الغرر والقمار في جانب المستأمن، على أساس أن المعاوضة في عقد التأمين أنما هي بين الأقساط التي يدفعهما المستأمن والأمان الذي يحصل عليه. وأن المستأمن يحصل على هذا الأمان من وقت العقد دون توقف على وقوع الخطر، فلا يكون هناك غرر في جانبه لأنه يستوي لديه في هذه الحالة وقوع الخطر وعدم وقوعه، فهو إذا وقع حصل على الأمان بقيام مبلغ التأمين بإحياء ما هلك من أمواله وحقوقه ومصالحه، وإذا لم يقع فإنه يحصل على الأمان ببقاء أمواله وحقوقه ومصالحه سليمة.
وهذه المحاولات جميعا لم تؤد الهدف المنشود، لأنها تقوم على مجرد الفرض والتقدير ولا تعتمد على واقع هذه العقود كما فصلنا.
سادسا: أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية يحقق التعاون والتضامن والتكافل على أساس محكم لم يسبق له نظير، وأن توسع الدولة الإسلامية في التأمينات الاجتماعية حتى تشمل جميع طبقات الشعب التي تعجز مواردها عن مواجهة الأخطار أمر لازم لا بد منه، فإن الدولة الإسلامية، في نظر الإسلام، تلتزم بتأمين فرصة عمل لكل قادر على العمل، وبتأمين العاجز عن العمل بإعطائه ما يكفيه مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا كما يقول بعض الفقهاء، ولها في موارد الزكاة ما يقوم بذلك، وإلا كان لها أن تفرض من الضرائب على الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء.
سابعا: أن الصيغة المشروعة المتاحة للأفراد حتى الآن لتحقيق أهداف التأمين ومقاصده من التعاون والتضامن على توقي آثار المخاطر هي التأمين التبادلي الذي تقوم به الجمعيات التعاونية، إذا قامت دراسات جادة للتوسع في هذا النوع من التأمين واستخدام الوسائل العلمية لتنظيمه على الوجه الذي يحقق به هذه الغايات والمقاصد.
وهناك تجارب مفيدة في هذا المجال قامت بها بعض الدول الإسلامية يمكن الاستفادة منها.