وقد ألحقت جهاز اللاسلكي بجهاز الهاتف في جميع هذه الأحكام، سواء أكان نقله للصوت كما هو مباشرة أو عن طريق الشفرات، ما دام أن الطرف الآخر يفهم مضمونه.
وفي نهاية المبحث الأول تطرقت لمسألتين مهمتين لهما علاقة بالتعاقد من خلال هذه الأجهزة.
الأولى منهما هي: مسألة عقد النكاح من خلال هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول: بإمكان إبرام هذا العقد من خلال الأجهزة الناقلة للصوت مباشرة، إذا تمكن من وجه إليه الخطاب إحضار شاهدين لمجلس العقد وإسماعهما الإيجاب الصادر من الموجب عبر هذه الأجهزة وقبوله له أمامها، قياساً على إبرام هذا العقد بطريق الكتابة والذي قال بجوازه فقهاء الحنفية، رحمهم الله.
وأما المسألة الثانية فتتعلق بحكم التعاقد من خلال هذه الأجهزة إذا كان المتعاقد عليه مالاً ربوياً لابد من تحقق القبض فيه فوراً ومباشرة.
وقد تمكنت من الوصول إلى حل شرعي لذلك، وفي حالة تمكن المتعاقدين تحقيق التقابض بينهما في مجلس العقد عن طريق وكيلهما في كلا البلدين.
وقد استعرضت في بحثي لهذه المسألة عملية التحويل للأموال النقدية بين البلدان الإسلامية عبر هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول بجواز ذلك مطلقاً سواء كان بأجر أو بدون أجر شريطة أن يتم التقابض بين المتصارفين "صاحب المبلغ، والناقل للمبلغ" في مجلس العقد مباشرة أو عن طريق وكيلهما أولاً، وشريطة أن يتم تسليم المبلغ المحول إلى صاحبه الشرعي أو من يوكله بنفس سعر الصرف الذي تم الاتفاق عليه بين المتعاقدين أو عن طريق القيام ببيع المبلغ المراد تحويله بشكل مُجزء، كما ألحقت بحكم هذه المسألة مسألة أخرى وهي عملية نقل المبالغ النقدية بين البلدان الإسلامية "الحوالة النقدية" وأعطيتها نفس الحكم، معتمداً في جميع ذلك على عدة آراء فقهية وردت عن أئمة المذاهب الفقهية الأربعة.
وبعد أن انتقلت إلى بحث حكم التعاقد بالأجهزة الناقلة للحروف فقط، ألحقتها هي والأجهزة الناقلة للصوت نقلاً غير مباشر، بحكم التعاقد بطريق الكتابة التي قال بجوازها جمهور فقهاء الأمة.
وقد حددت مجلس العقد المبرم بطريق الكتابة بشتى صورها وأشكالها برقاً كانت أم تلكساً، أم حاسباً آلياً "كمبيوتر" أم بريداً مصوراً "فاكس" بمجلس وصول الخطاب، كما نص على ذلك معظم الفقهاء رحمهم الله.
وعليه فإنه لا يمكن للقابل إعلان قبوله بعد انتهاء هذا المجلس في جميع العقود باستثناء عقد النكاح – لخصوصية فيه – وبهذا الصدد قمت بالرد على رأي من يرى إلحاق بقية العقود بعقد النكاح بالنسبة لهذا.
وأما وقت تمام العقد بالنسبة للمتعاقدين بطريق الكتابة: فقد استعرضت النظريات الأربع المطروحة حول هذه المسألة، ورجحت النظرية القائلة بإعلان القبول، والتي ترى أن العقد يكون تاماً وملزماً لكلا الطرفين بمجرد صدور القبول ممن وجه إليه الخطاب وإعلانه له وذلك لاتفاقها مع ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة.
وأما بالنسبة للخيارات المتعلقة بمجلس العقد المبرم من خلال مجموع الأجهزة الناقلة للحروف، فقد رجحت ما ذهب إليه الشافعية في منح الموجب حق الرجوع عن إيجابه ما دام أن مجلس العقد بين المتعاقدين وهو "مجلس وصول الخطاب" لا يزال قائماً، بحيث أنه لو قبل الطرف الموجه إليه الخطاب في ذلك المجلس دون أن يعلم برجوع الموجب عن إيجابه، لم يعتد بذلك القبول، لأن الأصل في الإيجاب هذا أن لا يكون ملزماً.
وأما خيار القبول: فقد توصلت إلى القول، بأنه لا يجوز للطرف الثاني في العقد إعلان قبوله في أي وقت يرغب فيه إعلان ذلك ما دام أن مجلس وصول الخطاب لا يزال قائماً، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء المذاهب الثلاثة: الأحناف، المالكية، الحنابلة. أما فقهاء الشافعية، فقد اشترطوا الفورية في ذلك، ولكنهم أعطوه حق الرجوع في قبوله ما دام أن مجلس العقد لا يزال قائماً.
أما خيار المجلس: فقد توصلت إلى القول بأنه يحق لكلا المتعاقدين الرجوع عما صدر عنه ما دام مجلس العقد لا يزال قائماً بينهما، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء الشافعية والحنابلة القائلين بخيار المجلس.
أخيراً: استعرضت رأي فقهاء الحنفية القائلين بجواز إبرام عقد النكاح بطريق الكتابة، وأدلتهم في ذلك والتي اعتمدت عليه في القول بجواز إبرام هذا العقد بطريق أجهزة نقل الصوت المباشر، وبجميع الأجهزة الناقلة للحروف.
في الختام أضرع إلى العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبني الزلل فيه، إنه سميع مجيب.
.... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.