وقد كان أول من ناقش موضوع التأمين هو ابن عابدين في الخمسينات من المائة الثالثة عشرة وكان رأيه عدم جواز ذلك ونال هذا الموضوع حظا غير يسير من الدرس وأكثر العلماء على عدم جوازه.
٤٥ - أن الذي بدا لي من استدلالات العلماء في موضوع التأمين رجحان أدلة من ذهبوا إلى التحريم لقوة استدلالهم وأبرزها ظهور عنصر الغرر الكثير الغالب على العقد بالإضافة إلى القمار والرهان أما المجيزون فكثير من أدلتهم غير متجه وبعضها ظاهر قوي ولكن أجوبة المانعين فندوا هذه الشبهة، ويؤيد ذلك صدور فتاوى عن جلة علماء هذا الزمان وقرارات من المجامع الفقهية التي تجمع هؤلاء العلماء.
٤٦ - يخطئ كثير من تراجمة هذا الزمان عند نقل بعض الكلمات إلى اللغة العربية فيترجمون الكلمة الأجنبية إلى معنى لا يناسبها في اللغة العربية وخصوصاً إذا كان لذلك اللفظ اصطلاح عرفي فمثلاً كلمة مضاربة في اصطلاح أهل البورصة ترجمة عن كلمة في اللغة الإنجليزية فكان مناسباً أن تختار كلمة أخرى دفعاً للبس لأن المضاربة لها معنى في اللغة وفي الاصطلاح لا يشبه هذه الكلمة ولا يقاربها كما هو واضح ويحسن أن تسمى مسابقة ومثل ذلك ظاهر في كلمات تجارية عديدة منها العمولة والفائدة والبوليصة والائتمان.
٤٧ - عند النظر في عقود البورصة يلزم التمييز بين العقود العاجلة والعقود الآجلة لأن كلا منها يختلف في طبيعته عن الآخر ففارقه في الحكم. فالعقود العاجلة على السلع الموجودة في حوزة البائع لا إشكال في جوازها أما إذا لم توجد في ملك البائع فإنه يمكن أن يطبق عليها شروط عقد السلم. هذا إذا كان محل العقد جائزاً في نفسه فلا يجوز العقد على الخمور أو الخنزير أو الكتب الضارة أو نحو ذلك من الأمور غير المباحة. أما العقود الآجلة التي تجرى في هذه السوق فإنه لا يجرى التقابض في العوضين ولا أحدهما والبائع غالباً يبيع ما لا يملك والمشتري يبيع ما اشتراه قيل أن يقبضه والآخر يبيعه لآخر أيضاً دون أن يتم القبض والتقابض إنما يتم في فرق السعر وفي هذا كله معنى المقامرة ولذلك لا تصح هذه العقود. ٤٨ - تعتبر المنافع أموالاً لأنها مقصود الناس مع العقد على الأعيان ويتجه إليها قصد العقلاء جميعاً وجعلها غير أموال يؤدى إلى ضياع الحقوق لأن من يجعلها مالاً لم يقل بتضمين الغاصب منفعة المغصوب مثلاً وفي ذلك ضياع الحق على أهله. واشتراط الحيازة لاعتبار الشيء مالاً غير متجه لأن قبض كل شيء بحسبه والمنافع عرض يستحيل قبض عينها والشارع لا يشترط المستحيل.
٤٩ - يصح الاعتياض عن الحقوق سواء كانت حقوقاً مجردة أو غير مجردة لأن الجميع مال وما كان مالاً يصح الاعتياض عنه.
٥٠ - يصح انتقال الحقوق المالية بالميراث.
٥١ - تسقط الحقوق بالإسقاط ويستثنى من ذلك مسائل كحق الإرث وحق المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة. أما حقوق الله تعالى فلا تسقط بالإسقاط.
٥٢ - خلو العقارات جائز لأن ما يأخذه يعتبر جزءاً معجلاً من الأجرة المشروطة في العقد وكذلك ما يأخذه المستأجر من المال مقابل ترك العقار لشخص آخر يحل محله.
٥٣ - لا يجوز الاعتياض عن خلو الوظائف العامة لعدم جريان عرف زماننا بالجواز لأن المستدلين بالعرف كابن عابدين وابن نجيم يقصدون عرف زمانهم فنحن نتمسك بنفس الدليل فعرف زماننا لا يجوز فيه ذلك.
٥٤ - تظاهرت جملة من الأدلة على صحة عرف هذا الزمان بجواز الاعتياض عن حقوق المؤلف بشرط أن يكون الكتاب غير مشتمل على مخالفة شرعية.
٥٥ - يصح انتقال حقوق التأليف بالإرث لأنه – أي حق المؤلف – من الحقوق المالية غير المجردة أي أنه حق متقرر في محله وله وجود في الخارج ومحله الكتاب وهذا النوع من الحقوق ينتقل بالإرث.
٥٦ - أن العلاقة بين المؤلف والطابع دائرة بين الوكالة والإجارة فالطابع – أي الناشر – وكيلاً عن المؤلف في نشر الكتاب ويمكن أن يخرج على أن العقد بينهما إجارة بأجر المؤلف بموجبه الطابع على نشر كتابه وتوزيعه حسب تفاصيل العقد المبرم بينهما.
٥٧ - يتحدد حق المؤلف في كتابه بعدد النسخ لأنها هي الوسيلة التي تعارف الناس على استعمالها في ضبط هذا الحق ويتحدد القدر الذي ينتفع به المشتري للكتاب بعدد النسخ التي اشتراها ولا يملك من المنفعة إلا المقدار الذي يحصل عليه من ذلك العدد من النسخ ولا يجوز له أن يطبع أو يصور نسخاً أخرى أما المؤلف فإنه يملك كل الحق فله أن يمنح ويمنع ذلك الحق لأنه ملك له.
وبعد: فهذا ما يسر الله وكتب لي أن أجمعه في هذا الباب فإن كان صواباً فمن الله وأحمده على ذلك وأسأله المزيد من التوفيق والإرشاد. وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان فأستغفر الله وأسأله أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي والله المستعان وإليه المآب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.