للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا كله دليل على تعظيم شأن الربا وأنه سبب لعذاب الله تعالى ودخول النار والعياذ بالله تعالى من ذلك. وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ}. {يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}. فالربا لا يربو عند الله ولا يزداد صاحبه به قربة عند ربه فإنه مال مكتسب بطريق حرام فلا خير فيه ولا بركة ولو أن صاحبه تصدق به لم يقبل منه إلا إذا كان تائباً إلى الله تعالى من ذلك الذنب الكبير فيصدق به للخروج من تبعته عند عدم معرفته لأصحابه وبذلك يكون بارئا منه. أما إن تصدق به لنفسه فإنه لا يقبل منه لأنه لا يرو عند الله بينما الصدقات المقبولة تربو عند الله، وإن أنفقه لم يبارك الله له فيه لأن الله يمحق بركته، فلا خير ولا بركة في الربا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما أراد أن يخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا." "رواه البخاري". وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله ? آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء". رواه مسلم وغيره. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: "الربا اثنان وسبعون بابا أدناهما مثل إتيان الرجل أمه" رواه الطبراني وله شواهد.

وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من الربا وبيان تحريمه وأنه من كبائر الذنوب وعظائمها، فليحذر المؤمن الناصح لنفسه من هذا الأمر العظيم وليتب إلى الله تعالى قبل فوات الأوان وانتقاله عن المال، وانتقال المال إلى غيره فيكون عليه إثمه وغرمه ولغيره كسبه وغنمه وليحذر من التحايل عليه بأنواع الحيل لأنه إذا تحيل فإنما يتحيل على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولن تفيده هذه الحيل، لأن الصور لا تغير الحقائق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب إبطال التحليل ص١٠٨: ... فيا سبحان الله العظيم أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره إلى أن يستحل جميعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزئ بها ... أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبيا من الأنبياء فضلا عن سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بنوع من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود للمتعاقدين قط.

وقال في ص١٣٧: ... وكلما كان المرء أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره من الحيل أشد. قال: وأظن كثيرا من الحيل إنما استحلها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بد من التزام ظاهر الحكم، فأقام رسم الدين دون حقيقته، ولو هدي إلى رشده لسلم لله ورسوله وأطاع الله ظاهرا وباطنا في كل أمره.

أسأل الله تعالى أن يوقظ بمنه وكرمه عباده المؤمنين من هذه الغفلة العظيمة، وأن يقيهم شح أنفسهم ويهديهم صراطه المستقيم إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>